تطوير التشريعات

تطوير التشريعات في الدولة حاجة ملحة، وضرورة مجتمعية، لا يمكن تجاوزها أو اغفالها، تبعاً لتطورات المجتمع وما يعتريه من تغيرات دائمة ومستمرة، تتناول الجوانب كلها، صغيرها وكبيرها، بدءاً بالدستور ومروراً بالقوانين والأنظمة وانتهاء بالتعليمات.
هناك جانبان ينبغي الارتكاز عليهما في عملية التطوير والتحديث؛ الأول يتعلق بتطوّر الخبرة البشرية وتطوّر المعرفة الإنسانية على صعيد المجتمع ذاته، وعلى صعيد المجتمعات البشرية في كل أقطارها، فيما يتعلق بزيادة حجم المراعاة لحقوق الإنسان وحفظ كرامته وصيانة آدميته، وفيما يتعلق بزيادة القدرة على حفظ مبادىء العدالة وإرساء قواعد المساواة بين المواطنين على مستوى جماعي وفردي وفي كل مجالات الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
ولقد استطاعت البشرية تحقيق نقلات واسعة وكبيرة في تطوير نظرتها لمواضيع حقوق الإنسان وإعلاء شأنها، عبر المواثيق الأممية، والإعلانات العامة التي تبنتها المؤسسات الدولية عبر السنوات السابقة، واستطاعت رفع سوية تعامل السلطات الحاكمة مع المواطنين على امتداد رقعة واسعة من العالم، وتنافست الدول المتقدمة في موضوع سن التشريعات المتطورة التي تحقق المستوى الإنساني اللائق بمكانة المواطن وكرامته، وهناك تفاوت كبير وواضح بين الشعوب في عملية الإسهام الجمعي في هذا الإنجاز الحضاري، الذي مازال بحاجة إلى مزيد من العناية ومزيد من التمكين التشريعي لدى شعوب الأرض كلها.
الجانب الثاني الذي ينبغي عدم إهماله في هذا السياق هو مراعاة الظروف المحلية التي تمر بها البلدان المختلفة من حيث الاستقرار السياسي والمجتمعي، ومن حيث الحروب والهجرات القسرية، وما يترتب على ذلك من مشاكل ديمغرافية معقدة، تهدد الأمن والاستقرار وتثير المزيد من التحديات والمشاكل الكثيرة والعديدة، التي تمس كل مجالات الحياة بلا استثناء.
فيما يتعلق بالأردن، فنحن بأشد الحاجة إلى تطوير تشريعاتنا بكل مستوياتها وفقاً لأرقى معايير الجودة، ووفقاً لمعايير العدالة ومقتضيات حقوق الإنسان، وفي الوقت ذاته، يجب مراعاة ظروف الأردن السياسية التي مرّ بها عبر ما يزيد عن نصف قرن من الزمان، من حيث التعرض لعدد كبير وهائل من الهجرات القسرية التي سببتها الحروب الكثيرة والعديدة في الإقليم، ومازالت آثارها قائمة وشكلت أوضاعاً جديدة مخالفة لمنطق الاستقرار السياسي والاجتماعي، حيث تم زرع كيان جديد غريب في المنطقة على حساب شعب آخر، وجرى تواطؤ دولي عالمي واسع مع هذا العدوان السافر، مخالفاً بذلك كل قوانين الأرض والسماء، وكل المواثيق الإنسانية وكل شرائع حقوق الإنسان.
في ظل هذه المعطيات، لا يجوز التحدث عن المعايير المطلقة ومحاولة تطبيقها على الأردن مع إغفال وجود عدو محتل، وأرض محتلة، وملايين المشردين واللاجئين، والذهاب إلى القياس الظالم على دول أمريكا وأوروبا، هذا من جهة، وأما من الجهة الأخرى والأكثر أهمية، لا يجوز أيضاً نسيان الحقوق المسلوبة لدى الكيان الصهيوني، وعدم التمسك بمعايير حقوق الإنسان والشرائع الدولية ومنطق العدالة فيما يخص الاحتلال، تحت ضغط الواقع أو صعوبة تحقيقها، وكأن الحديث عنها من المحرمات.
أعتقد أن ما تريده (اسرائيل) بالضبط أن تتوجه بوصلة النضال الفلسطيني في موضوع الحقوق والمواطنة بعيداً عن الأرض المحتلة وبعيداً عن مواجهة العدو المحتل حيث تطور الأمر بهذا الخصوص نحو يهودية الدولة، إذ يجب التحذير من تزامن رفع الصوت الصهيوني بيهودية الدولة مع رفع الصوت المقابل بالبحث عن عدو آخر.
نحن جميعاً نعيش هذا الواقع الشاذ بسبب الاحتلال، فالحل الصحيح الوحدة باتجاه مواجهة الاحتلال فقط، وأي عمل أو جهد يحرف بوصلة المواجهة مع الاحتلال، يشكل انحرافاً خطيراً في مسيرة النضال العربي بعامة، والفلسطيني بخاصة، يستحق قدراً كبيراً من الوعي الجمعي من جميع الأطراف.
( الدستور 2014-02-12 )