طعنة لدولة القانون

تم نشره الخميس 13 شباط / فبراير 2014 02:17 صباحاً
طعنة لدولة القانون
فهمي هويدي

تسجيل الحوار الذي دار في قاعة المحكمة بين الدكتور محمد مرسي ومحاميه الدكتور محمد العوا جريمة تنتهك الدستور والقانون والأعراف، كما أنها تعد إهانة للقاضي والمحامي معاً. أما بث الحوار تلفزيونيا ونشره في الصحف فهو يعبر عن الاستهتار بكل ما سبق ويجسد الجرأة غير المسبوقة على التباهي بارتكاب الجريمة أمام الرأي العام. ومن المفجع أن يحدث ذلك في حين يرأس الدولة المصرية قاض كبير كان رئيسا للمحكمة الدستورية العليا، ويفترض أنه يعلم جيدا أن ما حدث بمثابة إعلان صريح عن وفاة دولة القانون. وتقترن الفجيعة بالدهشة حين يجد المرء أن الجهات التي يفترض أنها شريكة في الغيرة على القانون والدفاع عن كرامة القضاء والقضاة التزمت الصمت إزاء ما جرى، الأمر الذي يثير بحقها شبهة التستر ومباركة الفعل الفاضح الذي وقع، إذ إنه يعد هتكا لسلطة القاضي وإخلالا بعدالة المحاكمة، حيث من واجب القاضي أن يحمي حرية المتهم في الدفاع ويؤمن مداولته. وهو ما لم يأبه به نادي القضاة للأسف، رغم أنه يقع في صلب مهامه وواجباته. وفي الوقت الذي اعتبر فيه التسجيل عدوانا على المحامي ومصادرة لحقه في الدفاع، ينتهك الحصانة التي أعطيت له بموجب الدستور، فإننا لم نسمع أن نقابة المحامين رفعت صوتا أدان ما جرى.

الواقعة بحد ذاتها أهم بكثير من التفاصيل التي تخللتها، ذلك أن المداولة التي تمت بين الدكتور محمد مرسي والدكتور العوا واستغرقت دقائق معدودة جرت في حجرة بقاعة المحكمة. وتمت في حضور ستة من ضباط الشرطة، أربعة ارتدوا ثيابا مدنية واثنان كانا بالزي الرسمي. والحوار الذي دار كان عاديا، بعضه تعلق بالشأن العام والقضية وبعضه كان خاصا بالظروف الخاصة التي يعيش في ظلها الدكتور مرسي. وقد تحدث التسجيل عن أن الرئيس السابق لم يعد لديه مال يشتري به ما يحتاجه من مقصف السجن، وقال لي الدكتور محمد العوا بأن الرجل أبلغه بأنه أمضى ثلاثة أيام اعتمد خلالها بالكامل على طعام السجن، ولم يكن بمقدوره أن يشتري كوبا من الشاي أو قطعة جبن من المقصف، وكانت إدارة السجن قد رفضت أن تتسلم أي إيداعات مالية تخصه (سمحت بذلك في وقت لاحق).

الشاهد أن الحوار لم يكن فيه ما يثير الانتباه، باستثناء الوضع المالي المهين للرئيس السابق، الذي كان رمزا للدولة المصرية يوما ما (لا وجه للمقارنة مع رفاهية مبارك وتدليله في حبسه)، ورغم أن ستة من ضباط الشرطة كانوا حاضرين اللقاء، إلا أن الحوار تم تسجيله بالكامل بطريقة سرية، ثم جرى تسريبه بعد ذلك على النحو الذي أدركه الجميع. وفي حين أريد به فضح الرجل في محبسه، إلا أن الفضيحة الحقيقية كانت من نصيب الذين قاموا بالتسجيل في قاعة المحكمة والذين سربوه إلى وسائل الإعلام بعد ذلك، والذين داسوا على الدستور والقانون وتباهوا بإشهار الجريمة وتعميمها على الملأ.

عند الحد الأدنى، فإن ما حدث ينتهك النصوص الواردة في ثلاثة أبواب من الدستور، باب صون الحريات العامة وباب سيادة القانون والباب الثالث الذي يخص السلطة القضائية. وفي حين ينص القانون على عدم جواز التنصت على مواطن بغير موافقته، كما يعد التداول بين المتهم ومحاميه من الأسرار التي لا يجوز حتى للمحامي أن يذيعها، فإن الأجهزة الأمنية قامت بالتنصت على الاثنين، ضاربة عرض الحائط بنص القانون وبسلطة القاضي وبحقوق المتهم والمحامي وخصوصية العلاقة المفترضة بينهما، وبلغ بها الاستهتار حدا دفعها إلى إذاعة نص الحوار على الملأ.

في حين اعتبر بعض الصحفيين أن نشر الحوار المسجل «انفرادا» تباهوا به، فإن القضاة الذين يغارون على مهنتهم ويعتزون بها اعتبروا ما جرى صدمة لم يتوقعوها. ومنهم من روى لي موقف المستشار عبد الغفار محمد حين رأس المحكمة التي نظرت قضية تنظيم الجهاد في ثمانينيات القرن الماضي، إذ شك في أن الأجهزة الأمنية تتجسس على مداولات المحكمة، خصوصا أن 47 ضابطا بالشرطة أحيلوا إلى النيابة آنذاك بتهمة تعذيب المتهمين. ولأنها كانت المرة الأولى التي ترددت فيها الفكرة، فإن ذلك الشك أثار غضب القاضي واستفز نادي القضاة الذي كان يرأسه آنذاك المستشار وجدي عبد الصمد.

وأمام غضب القاضي والنادي الذي نقل إلى رئاسة الدولة فإن وزارة الداخلية سارعت إلى نفي ما نسب إليها، ولم يواصل رئيس المحكمة نظر القضية إلا بعد أن تحقق من ذلك النفي، وهي خلفية تستحق المقارنة، لأننا في الواقعة التي نحن بصددها نجد أن الداخلية لم تنكر قيامها بالتنصت وأن التسجيل أذيع على الملأ واعتبر من جانبها إنجازا ومن جانب الإعلام انتصارا وانفرادا.

في اتصال هاتفي مع المستشار أحمد مكي وزير العدل الأسبق قال: العدوان الذي جرى لا يمثل فقط إهانة للقضاء والقاضي، فضلا عن المحامي، وإنما هو يشكل أيضا اعتداء سافرا على حرمة المحاكم وحق الدفاع وقيم العدالة ذاتها، وفي هذه الحالة فإنه يتعين على القاضي الذي ينظر الدعوى أن يغضب لسلطانه واستقلاله وللحقوق التي استحفظ عليها، وإذا لم يغضب ــ هكذا قال ــ فإن القاضي في هذه الحالة لا يصلح لأن يتبوأ مكانته.

( الشرق القطرية 2014-02-13 )



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات