ديك الجن الحمصي

تم نشره السبت 15 شباط / فبراير 2014 02:35 صباحاً
ديك الجن الحمصي
مصطفى زين

يا عبد السلام (إسم الشاعر الذي عاش في العصر العباسي) انتهى الحب في باب دريب، حيث اقمت مدى الحياة. حبيبتك ورد قتلت. جيران ورد قتلوا. أهلها، أقاربها قتلوا أو هجروا. لم تعد في حاجة إلى البكاء أو الندم. طيفها لن يراودك بعد الآن. لا في أوقات الوسن ولا في أوقات الرقاد. استرح. من قتلها؟ أو تسأل أيضاً؟ لا أحد يعرف. ربما قتلها شيشاني أو يمني أو ليبي او تركي أو إفريقي أو أوروبي أو... لا أحد يعرف. أليست مسيحية؟ أليس هدف القادمين من كل الأرجاء تطهير الأرض، كل الأرض، من غير المؤمنين؟ هي من أهل الكتاب تقول؟ أي كتاب والقتلة لا يقرأون ولا يكتبون؟ ثم تسأل من الشيشاني؟ ومن الأوروبي؟ معك حق. في زمنك لم يكن لهؤلاء أن يقولوا كلمة في بلادك. كانت أوروبا كلها قارة مظلمة. ولم يكن هناك أميركا. هذه البلاد اكتشفت بعد قرون. أبيد أهلها كما يباد أهلك الآن. وهي تتحكم بالعالم وتديره كما تشاء. وها هي تنظم عمليات القتل في حمص وغير حمص: هذا قاتل معتدل. وذاك قاتل إرهابي. وهؤلاء لا يستحقون الحياة. لم يبق احد في باب دريب ولا في باقي الأبواب. والمدن الأخرى ليست أفضل حالاً. كلها دمرت. أما بغداد التي كانت عاصمة الدنيا، فليست افضل حالاً. تعرضت للتدمير من قبل، على أيدي القتلة أنفسهم. وبالأسلحة ذاتها، والحجج ذاتها.

يا عبد السلام. إن حلقات الدرس والبحث والنقاش التي عهدتها في المساجد مستمرة. تعلمت فيها الأدب والشعر والفلسفة. ناقشت مع أقرانك المتكلمين والمرجئة وإخوان الصفا. كانت كل المذاهب في أيامك دروساً في الثقافة العربية، دينية ومدنية. مساجد حمص الآن، حيث درست، إما مدمرة أو مخابىء للسلاح والمسلحين. المعرفة لم تعد شرطاً للمشرف على حلقات الدرس. لا النحو، ولا الصرف، ولا البلاغة، ولا الفلسفة (خصوصاً الفلسفة)، ولا الشعر، والعياذ بالله، ولا الفقه، ولا الإجتهاد. كل ذلك كفر وإلحاد. المساجد اليوم للتدريب على السلاح، ولتعليم كيفية إطلاق اللحى، وقتل اكبر عدد من الناس، مؤمنين كانوا أو غير مؤمنين، وكيفية الحجر على المرأة، والتعامل معها.

كان السؤال في أيامك عن تأثيرك في المتنبي وأبي تمام. أما الآن فالسؤال عن اقصر الطرق، واقل التكاليف لقتل أكبر عدد من الناس للوصول إلى السلطة، واستكمال المذبحة.

يا عبد السلام. نم بسلام. القائمون على حمص لم يسمعوا بك. لو سمعوا لنبشوا عظامك وعظام ورد ونثروها في كل الأرجاء لتكون عبرة لأي شاعر عاشق ملعون، أو اي عاشقة تتحدى عادات الحريم.

يا عبد السلام. حمص احترقت. أهلها هجروا أو قتلوا. مياه العاصي، حيث كان يحلو لك السمر أصبحت حمراء. الحانات، والأسواق، والندامى، والمغنيات، وأمسيات الشعر... كلها انقرضت. ليس في مدينتك سوى الخراب، وكارهي الحياة.

يا عبد السلام. اختاروا من التاريخ أقبح حقبة، وأكثرها تخلفاً. قدسوها. أرادوها الماضي والحاضر والمستقبل. استنجدوا بالقادمين من سهوب آسيا. بالذين أحرقوا الناس والكتب، وحرموا القراءة، والشعر والأدب والتفكير. وكرسوا عصر العبودية والإماء والجواري.

يا ديك الجن. لم يعد لك في حمص مقام.

( الحياة 15/2/2014 )



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات