سر انحباس المطر

تم نشره الأحد 16 شباط / فبراير 2014 02:05 صباحاً
سر انحباس المطر
د.رحيل محمد غرايبة

انحباس المطر الطويل هذا العام يشكل ظاهرة غريبة ؛ حيث يشير بعض الخبراء والمهتمين والمتابعين لهذا الشأن ، ان انحباس المطر على هذا النحو الطويل لم يتكرر عبر سنوات طويلة ، وبعضهم يقول ان هذا الانحباس الطويل الممتد الذي جاء في دورة الشتاء لم يذكره احد منذ خمسين عاما ، تلك الفترة التي يطلق عليها « المربعانية « بالاضافة الى اتصالها « بسعد الذابح « حيث عبرت « كوانين « وتبعها « شباط» بجفاف غريب جدا، يثير مكامن الخوف ولواعج الحزن لدى شريحة واسعة من الفلاحين والمزارعين والمتصلين بالارض ومن أولئك الذين ترنو عيونهم الى السماء في كل ساعة وفي كل حين .

التفسيرات العلمية المادية تقف عاجزة امام هذه الظاهرة التي تستعصي على الافهام رغم تقدم البشرية الهائل في مجال التقدم العلمي ولاكتشافات الكونية، ورغم امتلاك الانسانية هذا الكم الهائل من حجم المعرفة ،حيث يتم تفسير تكون المطر عبر معادلة تتشكل من الشمس والبحور والمحيطات،والرياح والجاذبية ،وعلاقة الارض بما حولها من اقمار وكواكب، وكل ذلك موجود،مما يجعلنا امام حقيقة كونية كبرى اختص بها الخالق _ عز من قائل :» ان الله عنده علم الساعة، وينزل الغيث، ويعلم ما في الارحام، وما تدري نفس ماذا تكسب غدا، وما تدري نفس بأي أرص تموت، ان الله عليم خبير «.

يبدو أن حجم السوء زاد عن الحدود المعروفة والمألوفة ، ويبدو أن حجم الذنوب فاق القدر المأذون من حيث العموم والشمول ، وان العلاقة مع الله ضعفت ووهنت ، وان الايمان اصبح شكليا سطحيا جافا ، يخلو من العمق ، ويخلو من الفهم الصحيح ويخلو من التطبيق والترجمة الى اعمال ووقائع ، وان حجم النفاق والتزلف كبر وانتفخ حتى اصبح ظاهرة اجتماعية ، واصبح الناس لا يستحيون من كثرة الوجوه وتعدد الاقنعة . لكن الاكثر اتصالا بموضوع انحباس المطر واشد مساسا بظاهرة الجفاف ما يتعلق بجملة من السلوكات من أهمها : أولا : الامتناع عن دفع الزكاة واداء الصدقات ، والاستغراق في البخل والالتصاق بالشح ، وعدم الانفاق في سبيل الله ، وقد ورد عن الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام قوله :» وما منع قوم زكاة اموالهم إلا منعوا القطر من السماء ، ولولا البهائم لم يمطروا...» في ظل زيادة عدد الاغنياء في الامة والذين لا نكاد نجد لهم اثرا في حل مشاكل مجتمعاتهم التي تعاني من الفقر والحاجة وشدة المؤونة . ثانيا : التلاعب بالمكاييل وانقاص الموازين ، وانتشار الغش وخداع الناس ، والعبث بقوت البشر، والاسهام في الغلاء ورفع الاسعار على العامة ، بلا تقوى وبلا رقيب من الله ، وبلا حسيب من ضمير أو انتماء وطني ، ودون شعور بالمسؤولية ، وقد ورد في الأثر :» ولم ينقصواالمكيال والميزان إلا اخذوا بالسنين وشدة المؤونة وجور السلطان «. ثالثا : فساد ذات البين ، وشدة النزاعات الداخلية ، وكثرة الاختلافات بين افراد المجتمع ، وتنافر القلوب وانتشار الغل والبغض والكراهية والحقد والضغينة ، وسوء الخلق وفظاظة التعامل وغلاظة الطبع ،وقطيعة الرحم فهذه الصفات تعد من المهلكات التي تنزع البركة ، وتذهب بالغنى وتجلب الشقاء والمقت وسوء الاوضاع وقلة التوفيق . وليس هناك اشد على المجتمع من فتنة الاختلاف والنزاع الداخلي وتنافر القلوب ، وقد ورد في الاثر أن صلة الرحم تزيد في الرزق وتنسأ في الاثر. رابعا : كثرة الظلم وشدة الجور والحيف ، سواء كان ذلك من الزعماء والسلاطين والقضاة ، أو من الآباء والازواج وكل اصحاب المسؤولية مهما كانت درجتها ، وقد ورد في الآثار ان الظلم يمحق البركة ويهلك الحرث والنسل ، وأن الحباري في اوكارها والحيتان في بحورها تتأذى من ظلم بني آدم . خامسا : انتشار المعاصي والفواحش والمجاهرة بها ، وارتكاب الكبائر ، والاصرار على الصغائر ، والتجرؤ على الله والاعتداء على الدين والخلق والحق العام يؤدي الى جملة من الكوارث التي تلحق بالمجتمع ، وتصيبه في مقتل ، وقد ورد في الحديث :» إن العبد ليحرم الرزق للذنب يصيبه « . نحن بحاجة الى عودة جماعية الى الله ، وأن نلجأ اليه بإخلاص وتوبة صادقة نصوحا ، ونستغفره بإنابة ، وان نؤدي الزكاة ، ونخرج الصدقات ونكثر من الانفاق في وجوه الخير ، وان نتحرر من البخل والشح واليد المغلولة ، وان نلتزم بالموازين والمكاييل بلا بخس ولا وكس ولا شطط ، وان لا نغلي في الاسعار ، ونبتعد عن الغش والتدليس والاحتكار ، وان ننشر التسامح بين الناس ، ونعلي شأن الخلق الرفيع وان نصون الحق العام ومرافق الدولة ، وان نرسي العدل ونحق الحق ، وننفي الظلم والعدوان ، وان نصل الارحام ونحسن الى الجوار ، فهذا هو الاستسقاء الصحيح المطلوب .

( الدستور 2014-02-16 )



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات