الثأر الروسي!

تم نشره الأحد 16 شباط / فبراير 2014 02:13 صباحاً
الثأر الروسي!
عبدالله إسكندر

ثمة صيغة كانت تستخدمها موسكو في ظل الحكم السوفياتي، وخلال الحرب الباردة، لتصف طبيعة علاقتها بالدول التي كانت تتنازع النفوذ عليها مع الولايات المتحدة. كانت الآلة الدعائية السوفياتية تصف كل صفقة مع أي من هذه الدول بأنها "مساعدة نزيهة". في حين أن الصفقة تكون عملية شراء نفوذ مكشوفة وفجة تسترهن البلد المعني اقتصادياً وسياسياً، كما كان الحال بالنسبة إلى بلدان الكتلة الشرقية وبلدان أخرى في العالم الثالث، منها كوبا وفيتنام الخ...

وتكاد روسيا الحالية، في ظل رئاسة فلاديمير بوتين، تكرر بتصرف هذه الممارسة السوفياتية، خصوصاً أنها تشعر بأنها من القوة ما يكفي لتقدم بعض البيادق على رقعة الشطرنج مع الولايات المتحدة، مستغلة استراتيجية الانسحاب العسكري والسياسي التي قررها الرئيس باراك أوباما من جهة، والانغماس الأميركي في دعم تيار الإسلام السياسي في بلدان الربيع العربي. هذا الإسلام التي تعتبر موسكو نفسها في محور العداء معه، بعد مواجهات مدمرة ودموية في الشيشان والقوقاز.

وتشكل مصر حالياً الساحة التي تمارس فيها موسكو فنونها في لعبة الصراع على النفوذ مع الولايات المتحدة، والساحة التي تثأر فيها لكثير من الهزائم والخصومات.

لقد سجلت موسكو اختراقاً استراتيجياً في الشرق الأوسط، مع الرئيس الراحل جمال عبد الناصر الذي اتجه شرقاً بعدما خذلته واشنطن في التسليح وبناء السد العالي. لكن الرئيس الراحل أنور السادات، خليفة عبد الناصر، طرد السوفيات من بلده، بعدما اعتبر أن كل أوراق اللعبة في واشنطن.

ومع العقود الاقتصادية والعسكرية الجديدة، خلال زيارة المشير عبد الفتاح السيسي لموسكو، تستعيد روسيا لحظات الاختراق التاريخي، ومعها تستعيد العلاقة مع مصر التي احتكرتها الولايات المتحدة منذ حرب أكتوبر في مطلع سبعينات القرن الماضي.

وفي مصر، أصيب تيار الإسلام السياسي بهزيمة كبيرة، في الوقت الذي اضطرت موسكو إلى مواجهات عنيفة مع فروعه الأصولية والمتشددة، ولا تزال داخل روسيا الاتحادية وعلى أطرافها.

ولهذه الهزيمة بالنسبة إلى موسكو معنى مزدوج. فمن جهة أنها هزيمة الرهان الأميركي على الإسلام السياسي، ممثلاً بجماعة "الإخوان المسلمين"، ونكسة كبيرة لاستراتيجية أوباما. ومن جهة أخرى، تستعيد موسكو العلاقة القديمة (السوفياتية) مع مصر على يدي الرجل الذي ألحق الهزيمة بالـ "الإخوان"، وبـ "راعيهم" الأميركي أيضاً.

ومع الاستعدادات الأميركية للانسحاب العسكري من أفغانستان، تستعيد ذاكرة الروس كيفية إجبار قواتهم (السوفياتية) على الانسحاب من البلد ذاته تحت ضربات المجاهدين (ألإسلاميين) الأفغان المدعومين من الولايات المتحدة، والثمن الباهظ لتلك الحرب والذي كان أحد الأسباب الرئيسية التي أدت إلى انهيار الاتحاد السوفياتي.

فالثأر الروسي من الولايات المتحدة وتيار الإسلام السياسي ثأر تاريخي. وتصبح "نزاهة" روسيا في علاقاتها الدولية، والتي لا يتوقف الوزير سيرغي لافروف عن الدفاع عنها، نسخة مكررة وباهتة لتلك "النزاهة" السوفياتية، أي أنها أيديولوجية وسياسية في المقام الأول.

ولهذه الأسباب كانت الحفاوة الروسية الاستثنائية بالمشير السيسي، إلى حدود الخروج عن البروتوكول الخاص بمثل هذه المناسبات، وتعمد الرئيس بوتين أن يبلغه على الهواء "تزكية" ترشيح الزائر المصري إلى منصب الرئاسة في بلده. لقد تجمعت في مصر، وفي هذه اللحظة، عناصر الرد أو الانتقام الروسي.

وربما هذه الدوافع الانتقامية هي التي تحرك "النضالية" الروسية في الدفاع عن النظام السوري الذي من مصلحة موسكو أن ترى فيه نظاماً تابعاً لها في لعبة الشطرنج مع الولايات المتحدة، ومحارباً للإسلام السياسي وفروعه المتشددة، على رغم ما يقترفه من تدمير منهجي للعمران وارتكابه الجرائم ضد الإنسانية في سورية.

وقد يشعر بوتين بأنه حقق الثأر التاريخي لهزيمة الاتحاد السوفياتي الذي خدم في جيشه واستخباراته، على الأقل في منطقتنا، باستعادة الصيغة التي جمعت يوماً القاهرة ودمشق وموسكو في الحلف نفسه.

( الحياة اللندنية 2014-02-16 )



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات