المشهد المعقد في المنطقة

يتعقد المشهد في المنطقة العربية يوما بعد يوما، بسبب تداخل العوامل الإقليمية والدولية مع العوامل المحلية في الدول العربية وخاصة في مصر وسوريا اللتين تعيشان حالة من الثورة الشعبية ضد النظامين الحاكمين.
فالثورة في سوريا على وشك أن تدخل عامها الرابع دون أن يظهر في الأفق أي بوادر لانتصار الثوار أو نظام الأسد الإرهابي، وتسيطر على الواقع الميداني هناك حالة من التوازن العسكري من الطرفين، وهي معادلة أرادتها قوى عربية وإقليمية ودولية للحيلولة دون انتصار الثورة وسقوط النظام لإدخالهما معا إلى "قن الطاعة" الإقليمية والدولية، للبحث عن "حل سياسي"، وهو ما بدأ في محادثات جنيف 1 وجنيف 2، التي فشلت بسبب عدم توفر الظروف الملائمة، وتشبث كل طرف بـ"حلم" الانتصار على الطرف الآخر، وهو أمر يبدو مستحيلا حاليا في ظل الوضع الإقليمي والدولي.
على الجهة الأخرى فإن الشعب المصري يستمر في ثورته ضد الانقلاب، وتستمر المظاهرات بشكل يومي على مدى 8 شهور كاملة، ليسجل المصريون رقما قياسيا في الصمود في الشوارع والميادين، الأمر الذي يمكن اعتباره "معجزة"، فهذه التظاهرات تستمر رغم القتل والاعتقال والإهانة والبلطجية الذين يعتدون على مؤيدي الشرعية، وهو واقع يظهر أيضا أن الجنرالات الانقلابيين وحلفاءهم في "تحالف الشيطان" مستمرون في غيهم وإفسادهم وإصرارهم على الاستيلاء على السلطة.
الملاحظ أن الوضع في سوريا ومصر يخرج عن نطاق المحلية ويتحول صراع إقليمي بين قوى عربية وإيران وتركيا، مما حول الثورة في كلا البلدين إلى "حالة تجاذب واستقطاب خارجي"، بدأت مفاعليها تظهر إلى العلن في الأيام الأخيرة، كما أن عدم الاستقرار في أوكرانيا جذب الاهتمام الأمريكي والأوروبي إلى شرق القارة العجوز، التي يتحفز الدب الروسي على الانقضاض عليها بعد دخول الجيش الروسي إلى المشهد بقوة وإحكام سيطرته على شبه جزيرة القرم الأوكرانية، مما يثير قلق أوروبا كلها ومخاوفها من خروج الوضع عن السيطرة في أوكرانيا التي انقسمت بين شرق أرثوذكسي وشرق كاثوليكي وبين أكثرية أوكرانية وأقلية روسية وأقلية مسلمة تترية في القرم.
هذا التصعيد الكبير في أوكرانيا وضع الأصابع الروسية على الزناد استعدادا لإطلاق النار بكل جدية، وهو الأمر الذي ردت عليه واشنطن والعواصم الأوروبية بالتهديد بفرض عقوبات اقتصادية وعزلة سياسية على روسيا، وهو رد ضعيف على الفعل الروسي العسكري الكبير، الذي حرك فرقا عسكريا وأساطيل في اتجاه أوكرانيا.
المشهد في أوكرانيا سحب الاهتمام الروسي الأمريكي الأوروبي من المنطقة العربية، وحول ما يجري في مصر وسوريا إلى "أولوية ثانية"، وتراجع الاهتمام، ولو بشكل قليل، ولولا وجود الكيان الإسرائيلي ومخاوف الغرب على أمن هذه الكيان لكان التراجع أكبر، مما يعطي "الوكلاء الإقليميين" دورا أكبر في البلدين، وهو الأمر الذي سيترجم استمرارا للصراع في مصر وسوريا بين الشعبين والأنظمة الدكتاتورية.
المعادلة حاليا تكاد تكون ثابتة وساكنة، فالقوى المؤيدة للثورة في سوريا ليس لديها ما يكفي من القوة لإسقاط النظام، ومؤيدو الشرعية في مصر يواصلون تظاهراتهم السلمية لكنهم لا يملكون القوة اللازمة والكافية للإطاحة بالانقلابيين الذين بدأ حلفاؤهم الإقليميون محاولة تجفيف "الموارد المالية والمساندة الإعلامية" الخارجية، وأعلنوا الحرب من أجل محاولة وقف التظاهرات من الخارج لعجزهم عن وقفها في الداخل، فهم يعتقدون أنهم إذا تمكنوا من "تجفيف الينابيع الخارجية" فلربما يستطيعون وقف الثورة في مصر، وهو تفكير أقرب إلى الوهم.
المرحلة المقبلة ستكون صعبة في سوريا ومصر ومناطق أخرى في العالم العربي، فقد بدأت تتشكل محاور علنية تعمل على الأرض للمرة الأولى منذ اندلاع الثورات العربية قبل 4 سنوات.
(المصدر : الشرق القطرية 2014-03-07)