المثقف والدولة!!

تم نشره الأحد 09 آذار / مارس 2014 12:40 صباحاً
المثقف والدولة!!
خيري منصور

كُتب الكثير شرقاً وغرباً عن علاقة المثقف بالسلطة، وكان الالتباس المزمن في معظم تلك الإطروحات حول مصطلح السلطة، وما إذا كان مرادفاً لمفهوم الدولة، فالسلطة قد تكون مجرد نظام قابل للتغيير أو إعادة النظر لكن الدولة شيء مغاير تماماً، فهي المنجز التاريخي والقانوني معاً لمجتمعات بكل مكوناتها، وحين يُجرى تفكيكها يصبح كل شيء في مهب الفوضى والزوال، واذا كانت تعريفات الدولة على تباينها تلتقي تحت قاسم مشترك أعظم، فإن ما لا يمكن الإركان اليه والتسليم به هو تعريف المثقف، خصوصاً في بلدان تعاني الأمية بنسب كارثية، بحيث يبدو الأعور في بلد العميان إمبراطوراً، وقد افتضح الحراك العربي تحت مختلف التصنيفات والاسماء تلك الحلقة المفقودة والأشبه بالعورة التاريخية، التي حسمت غياب دور المثقف لصالح دور بديل هو البوق أو الطبل الذي يصلح للاستئجار والانتقال من عرس الى مأتم، ومن يسار الى يمين، ولم يكن ما يسمى امتطاء الموجات بل اختطافها في بعض الحالات إلا تعبير عن محاولة المثقف المسبوق والمسروق دوره اللحاق بما تبقى!

ولو اقتصرنا في هذا السياق على علاقة المثقف العربي بالدولة باعتبارها سلطة فقط، فإن المشهد سيكون مزاوجة بين المأساة والملهاة، منذ صرف له علي باشا مُنشئ الدولة الحديثة في مصر مستشاره الذي اقترح عليه قراءة عدد من أهم الكتب في فقه السياسة قائلاً له إنه متفرغ لصناعة التاريخ وليس لقراءته، ثم دفع الثمن لأن قراءة التاريخ كانت ستسلحه بوعي يحوِّل التفكيك السريع لدولته وافشال تجربته الرائدة، وقد لا نتردد بإطلاق صفة ما قبل المثقف على شريحة أنجزت قسطاً من التعليم، ثم توقفت ظناً منها أن المثقف كالماعز يرضع فترة قليلة ثم يتفرَّغ تماماً لمهنة واحدة هي افراز الحليب.

وقد سمعت من عدة أصدقاء منهم مثقفون من مختلف الاقطار العربية عن تجارب تؤكد ما يسمى في الادبيات الفرنسية خيانة المثقف، وهي ليست خيانة لوطن أو بشر بقدر ما هي خيانة للذات أولاً، لكنها تبقى في نطاق الخيانة الأعظم وليس العظمى فقط، ففي المرحلة الناصرية كان المجال فسيحاً ومناسباً لاختبار مثقفين، لكن من رسبوا في الاختبار حوَّلوا الناجحين الى استثناء.

وقد سمعت من أصدقاء كانوا قريبين من عبدالناصر ان الزعيم الراحل كان في بداية ثورة يوليو يهاب المثقفين ويعمل لهم حساباً الى أن أتيح له -بالتكرار- أن يكتشف عُري الامبراطور، او المعيدي الذي كا ن من الأفضل أن يسمع عنه ولا يراه.

أخيراً بل أولاً وقبل كل شيء فإن ما يشهده العالم العربي الآن من تفكيك وتدمير وتشظية وشدّ عكسي يعيده الى ما قبل الاستقلال يتطلب من المثقف الجدير بهذه الصفة أن يسأل نفسه عن جدوى ثقافته وعن كل ما فعله بنفسه لأنه تتلمذ على جحا وليس على ابن خلدون!!

(المصدر : الدستور 2014-03-09)

 



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات