قبل ان تطاردك صـرخات (اركب معنا ) !!

تم نشره الإثنين 10 آذار / مارس 2014 01:35 صباحاً
قبل ان تطاردك صـرخات (اركب معنا ) !!
حسين الرواشدة

أنت عربي ؟ إذن انت واحد من ثلاثة : إما انك فقدت عقلك تماما فقادتك اقدامك الى طابور (المجانين)، واما انك ماتزال تحافظ على(عقلك) لكنك لا تستطيع ،أولا ترغب في ان تستخدمه ، واما ان عقلك مازال حاضرا و فاعلا حتى لو قيل لك (اذا جن ربعك فعقلك لا ينفعك ) .

يمكن - بالطبع- ان نعمم هذه (القسمة) على بلداننا العربية، فثمة من اندفع على سكة ( الجنون) مثل القطار الذي فقد سائقه السيطرة ، فهو يسابق الزمن للوصول الى المحطة ، لكنه لا يضمن ان يصل بسلامة، وهو في الاغلب معرض للاصطدام او الخروج عن مساره، وربما ينفجر او يتسبب في كارثة، وثمة من ادرك بأن خللا ما قد اصاب القطار ، وبأن سرعته تباطأت ، لكنه لم يتحرك لأصلاح هذا (الخلل) و قرر ان يستمر في السير ، فهو يراهن على الوصول بسلامة ، لكنه لا يعرف متى سيصل ، وثمة من استدرك الأمر ، فاختار (القطار) الذي يناسبه ، وتعهده بكل ما يلزمه من اصلاحات ، وحدد له السرعة المطلوبة ، وترك قيادته لأمهر السائقين ، .. وبالتالي أعدّ ما يلزم من احتياطات ، وتكفل بما لديه من امكانيات.

اذا اردت مزيدا من التوضيح قبل ان تطاردك صرخات (اركب معنا ) سأقدم لك ثلاثة نماذج - ولديك بالتأكد غيرها- خذ مثلا ما حدث في سوريا ، ستجد بأن الذي يتحرك في كل الاتجاهات هو (الجنون) ، النظام فقد عقله تماما،وأضطر الجميع الى الاحتكام لمنطقه ،وهو منطق الجنون ايضا، لا تسأل - بالطبع- عن التفاصيل ، فهي ابشع مما يصلنا من صور واخبار ، ولا عن النتيجة ، فقد عادت سوريا -سقط النظام ام لم يسقط- الى العصور الحجرية ،وخذ - مثلا- ما حدث في اليمن ، ستكتشف بأن (العقل) هناك يتحرك ببطء، لكن حركته لا تتناسب مع (الثورة) ومطالبها ، صحيح ان ما تحقق في اليمن افضل مما جرى في البلدان الاخرى التي سبقتها الى (الميادين) ، لكن الصحيح ايضا ان (الحكمة) ما تزال تعاني من حالة (استعصاء) ومع ذلك فإن (قطار) اليمن - على ما فيه من خلل- يسير ويتوقف .. ثم يتوقف ويسير... دون ان يصطدم بالجدار ، وخذ - ثالثا- النموذج التونسي ، ستجد بأن (العقل) استيقظ هناك على صوت (الجنون) الذي كاد ان يطبق على (التجربة) ويلحقها بالتجارب الاخرى الفاشلة، وبالتالي اندفع القطار التونسي على سكة (التفاهمات) والتنازلات ،واستطاع الجالسون في (قمرة) قيادته ان يحددوا اتجاهه وسرعته ...وكل ذلك بفضل انحيازهم لمنطق العقل وهروبهم من سطوة (الجنون).

لكي نفهم ما يجري في بعض بلداننا العربية ، سواء التي مرّت بتجربة (الثورة) او الاخرى التي تحاول استدراكها واستباقها ،فإن من الضروروي الانتباه الى ثلاث ملاحظات ، اولاها : ان التحولات (وهي اقل من ثورة و اكبر من انتفاضة) كانت ولادة شعبية بامتياز ، وبموجبها تحرك ( الجسد) المثقل بتركه من الفساد و الاستبداد و القهر ، وقرر ان (يهدم) أعلى عمارة تصور انها (مصدر) البلاء ، وحين اطمأن انه انجز مهمته ، واراد ان يرتاح اكتشف بأن الذين كانوا موجودين في العمارة خرجوا منها سالمين ، وبأنهم عادوا في غفلة منه لبنائها من جديد ، ثم اكتشف بأن (الرؤوس) التي كان يراهن على قدرتها على قيادته (اسوأ) من (الرأس) الذي كان مطلوبا لديه.. وبالتالي صحا على واقع اشبه ما يكون (بمدينة العميان) ، تلك المدينة التي فقد فيها الناس (ابصارهم) ولم يعد بوسع احد منهم ان يدل الآخر على الطريق .

اما الملاحظة الثانية فهي ان التحولات التي جرت - على صعوبة مخاضاتها و عسر ولاداتها- ايقظت لدى (المتفرجين) هواجس الخوف ، فقرروا على الفور محاصرتها واجهاضها ، وجندوا امكانياتهم لاخراجها عن سكتها وقد نجحوا في ذلك ، لكنهم حين تعاملوا بهذا الشكل معها ، لم ينتبهوا الى طبيعتها ودوافعها و انما الى نتائجها فقط، ولذلك فهم اسقطوا (الثمرة) ولم يجتثوا الجذور ، وتوجهوا الى (التربة) الاخرى التي خرجت منها الاشواك و لم يتوجهوا الى (تربتهم) ليقتلعوا مابداخلها من اشواك ... وهم اشبه ما يكون بمن رفع الجدران لمنع وصول الوباء الذي يحاصره من الخراج دون ان يدرك بأن الجراثيم لا تتوقف امام الحدود.

اما الملاحظة الثالثة فهي ان(العقل) كان الغائب الاكبر في كل ما جرى : التحولات كانت بفعل اجساد تحركت وهي تراهن على بروز (رأس) تفاجأت بأنه غير موجود ، و ردود الانظمة تحركت بمنطق (الرأس) الذي فقد عقله ،و الخارج الذي صدمته (مفاجأة) الميادين و الشوارع الغاضبة اعطى (لعقله) اجازة مفتوحة لكي يترك (للفاعلين) على الارض فرصة اعادة عقارب الساعة الى الوراء ، و بالتالي لم يتحرك لا ( العقل) الوطني ولا العربي و لا الدولي ، وبقي المشهد مفتوحا لما تقرره ( الغرائز) او لما يفرضه منطق الجنون .

يصطدمنا - بالتأكيد- ما جرى على مسرح (اللامعقول)، لكنه يبدو طبيعيا لمن يقرأ حركة التاريخ ، فهو دورة في سياق دورات ، يتناوب فيها العقل مع الجنون ، والفوضى مع السكون ، والولادة مع الاجهاض ، لكن من ينتصر اخيرا هو من يدرك - بالعقل- اين يكون .. ومتى وكيف يكون !

(المصدر : الدستور 2014-03-10)

 



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات