أردنيون : أخبار الجرائم تأثر على نفسية القارئ
المدينة نيوز :- يلحظ المتابع لمختلف وسائل الاعلام زيادة نشر اخبار الجريمة بشكل يومي ولافت , اذ انه ووفقا لمصادر الامن العام فان ارقام الجرائم المرتكبة في المملكة بين الاعوام 2008 - 2012 تبين ان الجنايات والجنح التي وقعت على الانسان لم تتجاوز سبعة الاف و500 جريمة خلال تلك الفترة .
وتشير الى ان هذا الرقم لا يعتبر كبيرا مقارنة مع مجتمعات اخرى .
يقول متخصصون - وفقاً لـ " بترا " - ان الجرائم ومنها الشروع بالقتل والقتل العمد والقتل القصد والضرب المفضي الى الموت والقتل الخطأ والايذاء البليغ لا تعكس الصورة الحقيقية التي تتناقلها بعض وسائل الاعلام حول معدل الجريمة في المملكة ، اضافة الى ان نقل اخبار الجريمة من الصحف العربية والاجنبية والتي تصل الى حد الاغراق ، وتخصيص اقسام لهذه لاخبار ، يؤدي الى نفور القارىء وارتباكه وتأثر نفسيته وتجعله يشكك في امن المجتمع وبمن حوله لكثرة الأخبار السلبية.
ووفقا للناطق الاعلامي لمديرية الامن العام الرائد عامر السرطاوي فان المجتمع الأردني كسائر المجتمعات يشهد وقوع الجريمة ، لكنها مع اختلاف أسبابها وتنوع أساليبها تبقى في إطار المعدل الطبيعي بالرغم من حدوث تغيرات عديدة على مدى السنوات الأخيرة .
ويضيف ان الفضل في ذلك يعود الى وعي المواطن وتعاونه والإجراءات المستمرة من قبل المديرية في تطوير وحداتها المختلفة في التعامل مع الجريمة وتكثيف إجراءاتها في الكشف عنها والقبض على مرتكبيها ومنع وقوعها .
في حين يقول استاذ علم الجريمة في الجامعة الاردنية الدكتور عايد وريكات ان الارقام الصادرة عن المصدر الوحيد في المملكة فيما يتعلق بعدد الجرائم (زيادة او نقصان) لا توضح وضع الجريمة في المجتمع بشكل عام ، لكن الزيادة كانت واضحة في الاخبار المنشورة , ما يؤدي الى حدوث بلبلة في المجتمع .
ويؤكد ضرورة ايجاد مصادر اخرى ( للمعلومة الجرمية ) عبر مصادر بحثية تعتمد على عينات عشوائية ومن ثم تقارن بالارقام المعلنة التي لا تعكس الواقع الحقيقي للجريمة في المملكة لعدة اسباب منها : حدوث تصالح وتراض بين الاطراف ، او عدم تقديم بلاغات او شكوى .
ووفقا للدكتور وريكات : فكما هو متعارف عليه اكاديميا، هناك أكثر من تعريف للجريمة ، الذي يختصرها جميعها بانها "سلوك او فعل يجرمه القانون" ويرى ان هذا الفعل مرتبط بعوامل كثيرة من بينها الزيادة السكانية ومن الطبيعي ان تزداد الجريمة في مجتمع ما اذا ازداد عدد سكانه .
ويؤكد على وسائل الاعلام بث الوعي في المجتمع فيما يخص اخبار الجريمة ، مبينا ان البعض منها يسعى الى جذب الانظار عبر النشر , وهذا ما يحدث في الغرب الذي لا يكتفي باتهام مرتكب الجريمة بل يتعرض لاهله وجيرانه وكل ما يخصه. وعن التأثيرات النفسية الناجمة عن نشر مثل هذه الاخبار يقول مستشار الطب النفسي الدكتور وليد سرحان ان الخوف ياتي اولا , حيث يتوهم القارىء بان الجريمة أصبحت شائعة في المجتمع , وقد تحدث داخل العائلة وقد تتكرر ، بالاضافة الى شكوك تساور الشخص بكل ما يحدث من حوله ، والحذر وعدم الشعور بالامن .
ويوضح ان هذه المخاوف لا اساس لها من الصحة خاصة اذا ادركنا ان نسبة الجريمة لدينا متواضعة ، كما ان اسلوب نشر هذه الاخبار اصبح معروفا لدى الجمهور والقصد منه لفت الانتباه بعيدا عن الواقعية والحقيقة، خاصة ان كل القضايا اثناء التحقيق , النشر فيها غير مسموح ومن المؤكد ان المعلومات تخرج من غير مصادرها.
ويدعو الدكتور سرحان مديرية الامن العام الى التصدي للاخبار التي لا تلتزم بحرفية النشر وتركز على الغموض والتهويل , والحفاظ على اخبار الناطق الرسمي بحيث تكون مختصرة وبتفاصيل محدودة تجنبا للكثير من المخاوف التي لا داعي لها.
ويربط استاذ علم الاجتماع والتنمية في جامعة مؤتة الدكتور حسين محادين بين نشر أخبار الجريمة في وسائل الاعلام وتأثيرها على انتاجية المواطن ، اذ ان العلاقة بين التنمية والامن , تبادلية طردية , فكلما زاد الامن والطمأنينة في المجتمع زادت التنمية والانتاجية .
ويضيف ان نسبة الامن والطمأنينة مرتفعة لدينا في المجتمع وداخل كل فرد فيه على الرغم من تحوله نحو الحداثة والقيم الفردية بجميع المضامين، وعلى الرغم من الذي يحدث من اسهاب في عرض الجرائم والتفاصيل المتعلقة بها او شعور الانسان في المجتمع بان الذي يخرق القانون او يرتكب الجريمة لا يعاقب.
ويشير الدكتور محادين الى ان هناك ارتباطا مهما بين ارتفاع مستويات التنمية وتأثير درجة الانجاز مع طبيعة تركيز بعض وسائل الاعلام بعيدا عن المهنية على نفسية المستثمر القائم او المتوقع مجيئه عبر تكرار الحديث المسهب وغير المهني عن بعض الجرائم في المجتمع الاردني او في بعض المجتمعات الاخرى، وهذا ما يلجأ اليه بعض الاعلاميين ويتوسع فيها باستغلال العنوان المثير ما يؤدي الى الابتعاد عن فرص عمل كانت مأمولة .
الرائد السرطاوي يقول ان الهدف الرئيس من نشر اخبار الجريمة او الأخبار الامنية يأتي من باب التواصل مع الإعلام لتحقيق الوعي والإدراك لدى المواطن بدوره في الوقاية من الجرائم على اختلافها ، وتحصين المجتمع بجميع شرائحه من تلك الجرائم وأسبابها وإشراك الإعلام والمواطنين في هذا الهدف ، وتمكينهم من التعامل مع جهاز الأمن العام والنهوض بمستوى مشاركتهم في منظومة العمل الأمني شرطيا ومروريا .
ويبين ان نشر الأخبار المتعلقة بالجرائم على ان تكون موجهة بهدف نشر التوعية والتثقيف بأساليب الوقاية منها مع الالتزام بعدم الخوض في تفاصيل ارتكابها ,ياتي لسببين رئيسين هما: أن لا يصبح الخبر الأمني مادة تعليمية لأصحاب النفوس المريضة بالأساليب غير القانونية , وأن بعض الجرائم يعلن عنها وهي لا زالت في مرحلة التحقيق بهدف تعاون المواطنين على كشف مرتكبيها ، وان نشر التفاصيل قد ينبه الجناة ويدفعهم إلى إخفاء آثارهم والتواري عن الأنظار .
ويؤكد ان من يقوم على كتابة أخبار الجرائم هم ضباط متخصصون يملكون خبرة شرطية واسعة ، من حملة شهادات الصحافة والإعلام والقانون واللغة العربية , وبحكم خبرتهم على مدى عقد تقريبا , مكنهم من معرفة ما يجب وما لا يجب أن ينشر ،فضلا عن العلاقة المتميزة مع الصحفيين والإعلاميين أصحاب الباع الطويل في تغطية أخبار الجريمة ومستوى التفاهم والاتفاق على ضوابط تحقق هدف نشر المعرفة في إطار ملتزم يخدم المصلحة العامة ، ويسهم في مكافحة الجريمة والحد منها .
ولا يختلف نقيب الصحفيين طارق المومني مع الرأي القائل بان اخبار الجريمة من الاخبار المقروءة في وسائل الاعلام الا انه يؤكد ضرورة ان تكون هناك آلية تحريرية مناسبة للتعامل مع هذه الاخبار بحيث لا يتم اعطاء تفاصيل او ايحاءات غير موجودة فيها.
ويقول ان ميثاق الشرف الصحفي ينص على "الابتعاد عن الاثارة في نشر الجرائم والفضائح , والالتزام بالقيم الدينية والاخلاقية للمجتمع، واحترام خصوصيات الافراد وكرامتهم الانسانية وعدم الخوض في التفاصيل حماية للمجتمع " .
كما تنص المادة 10 من الميثاق على ان "يلتزم الصحفيون بعدم نشر الاعمال (الصحفية) ذات المستوى الفني الهابط التي تثير نزعة الشهوانية أو تشجع على الرذيلة أو الجريمة أو اثارة المشاعر المريضة التي يكون نشرها مخالفا لقيم المجتمع وأخلاقياته"، وتؤكد الفقرة (أ) من المادة على : "الابتعاد عن الاثارة في نشر الجرائم والفضائح وتجنب الالفاظ البذيئة والنابية". ويقر المومني بوجود تجاوزات في ادبيات واخلاقيات المهنة الصحفية والتي تحدث عند التعامل مع هذه الاخبار ، مبينا ان ذلك يحتاج الى مزيد من الاهتمام بالحاجات التدريبية لدى البعض العاملين في هذا القطاع ووضعهم بصورة التشريعات التي يجهلونها خاصة بعد ان تم اقرار نظام خاص لمركز تدريب النقابة الذي سيعقد ورشا تدريبية تسهم في تعزيز الثقافة القانونية لدى الصحفيين في مختلف وسائل الاعلام وتبين ما يجوز نشره وما لا يجوز.
جمعية الصحافة الالكترونية الاردنية التي ينضوي تحت مظلتها 123 موقعا الكترونيا يقول رئيسها الزميل شاكر الجوهري ان غالبية المواقع الالكترونية تهتم بنشر اخبار الجريمة لانها مقروءة , وعليها اقبال من القراء يصل الى عشرة اضعاف الخبر السياسي .
ويفسر الاهتمام بهذه الأخبار بانها تسهم في رفع نسبة زوار الموقع وبالتالي تسهل عملية الحصول على اعلانات , والدخل المتوقع للموقع وصاحبه ، مشيرا الى ان خبر الجريمة بحد ذاته مثير يجذب انتباه واهتمام القارىء الذي يريد ان يعرف ما يجري في بلده على الرغم من مسألة الامن والامان التي نفخر والتي تعتبر شيئا اساسيا للمواطن والدولة.
ويشير الجوهري الى ان الجمعية تقدمت بمذكرة خطية الى اللجنة الملكية لصياغة الاستراتيجية الاعلامية التي صدرت قبل نحو ثلاث سنوات , طالبت فيها بتغليظ العقوبات وتفعيلها على من يمارس المبالغة او الابتزاز من خلال نشر اي اخبار تسيء الى المجتمع، بالتعاون مع الجمعية لتمكينها من القيام بدور ضابط لعملية النشر لتخطي هذه التجاوزات .
ووفقا له فان اعتماد مواقع الكترونية على ابراز اخبار الجريمة والتركيز عليها يعكس بالفعل الضعف الموجود في محتواها ، الا انه مؤشر على سلبية بعض القراء ايضا الذين يبحثون عن هذه الأخبار ويقبلون عليها، مبينا ان خبر الجريمة لا تستطيع ان تتجاهله وهناك مواقع تقدمها بطريقة مطلوبة للقارىء.
وينفي مقولة ان الهدف من نشر هذه الأخبار يقصد منه اثارة الرعب في المجتمع للدلالة على انعدام الامن فيه بقوله " لا اعتقد ان الصحفي يقصد اثارة الرعب في المجتمع , لكنه ( الرعب ) قد يحدث".
رئيس مركز الجنوب والشمال للحوار والتنمية الوزير الاسبق الدكتور صبري اربيحات يؤكد ضروة احياء مفهوم الامن الشامل في المجتمع بحيث تبدأ المجتمعات والاحياء بتنظيم نفسها والاستفادة من الخبرات الموجودة فيها لتعزيز القيم النبيلة والاصيلة التي تزرع الثقة في نفوس الكثيرين.
ويضيف ان ذلك اصبح مطلوبا بشكل ملح خاصة مع المتغييرات التي نلحظها في التركيبة السكانية وأثرت على السلوك العام ومعدلات الجريمة ونوعيتها حيث شهدنا دخول جرائم جديدة في مجتمعنا مثل سرقة السيارات التي وصلت الى خمسة آلاف سيارة سنويا وهذا رقم كبير في المملكة.
ويطالب الدكتور اربيحات بالوقوف في وجه من يحاول العبث بقيم المجتمع ، مبينا ان الانسان الذي تواجهه مشكلات مرتبطة بوجوده واستمراره في الحياة يصبح غير معني بهذه القيم .
مقدمة برنامج عين على الاعلام على راديو البلد الذي يرصد قضايا الاعلام في الاردن الزميلة سوسن زايدة تقول ان الفكرة العاملة لتغطية اخبار الجرائم واضحة بانه يتم التعامل معها بشكل يبرز العناصر التي تحمل الاثارة على حساب عناصر اخرى في الاخبار المنشورة .
وتبين ان ذلك يتم بهدف اكتساب جمهور للوسيلة الاعلامية وبالتالي تتحول الى مصدر دخل لها واستقطاب جمهور بالاعتماد على انها موضوعات انسانية تثير الفضول لدى الناس والقراء .
وتضيف ان تغطية الجرائم تبرز التغييرات الحاصلة في المجتمع , فالسرقة مرتبطة بالجانب الاقتصادي مطالبة بان يتم التعامل مع هذه الاخبار بهدف تقديم خدمة للناس وتغيير النمط السائد والالية المعمول بها حاليا من قبل بعض الصحفيين في اخذ المعلومة من اشخاص غير مختصين .
مدير عام المركز الوطني للطب الشرعي سابقا _ اكثر من ربع قرن , استشاري اول الطب الشرعي الدكتور مؤمن الحديدي يقول ان النشر المدروس لاخبار الجريمة يأتي بنتائج ايجابية في المجتمع مثل قضايا العنف ضد الاطفال وقضايا الاسرة التي تعتبر قصة نجاح بفضل دور بعض وسائل الاعلام التي اسهمت في تحفيز المجتمع .
وتفاديا للنشر العشوائي يرى اننا بحاجة الى صحفيين اكثر تخصصا بتغطية أخبار الجريمة الذين يتحرون المعلومات الصحيحة من مصادرها والاشخاص المعنيين سواء كان الناطق الاعلامي او المختبر الجنائي وحتى تكون المعلومة كاملة وحقيقية وغير مجزوءة. ووفقا للدكتور الحديدي فان نمط العنف في المجتمع آخذ بالازدياد في بعض المناطق نتيجة تضاعف عدد السكان والهجرات التي جاءت بانماط معيشية مختلفة والازمات السياسية في المحيط العربي وتزايد الثلاثي المسبب للعنف وهو الفقر والبطالة , والجهل , والمرض، وهذا انعكاس للواقع المحيط الذي لا يجوز ان نجلد انفسنا بسببه بل علينا ان نقدر الواقع ونضع الحلول المناسبة له.
ويبين اننا نستطيع تحصين المجتمع عبر التوعية والتثقيف وتعزيز القيم الايجابية عوضا عن القيم السلبية التي تدمره بشكل منهجي ، موضحا ان الجهات المعنية تمتلك اجهزة متطورة لكشف الجريمة بالادلة الموثوقة، وكذلك الاحكام القضائية التي تصدر بحق المجرمين.
يقول استاذ الشريعة في جامعة العلوم التطبيقية الدكتور تيسير الفتياني ان العديد من هذه الاخبار المنشورة غير حقيقية تبث بقصد الاثارة وتسويق سلعة اعلامية بدون تبصر وتثبت, وتسهم في اثارة الرعب بين المواطنين وهذا يفسر في الاسلام من باب الفسق الذي يعاقب عليه , يقول الله سبحانه وتعالى ( يا ايها الذين امنوا ان جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا ).
ويوجه المواطنين الى التحلي بالخلق الطيب وضبط النفس حفاظا على استقامة المجتمع , ويطالب الجهات المختصة والرقابية والمعنيين بتحمل مسؤولياتهم وعدم بث هذه الاخبار التي تروج للكذب والفتنة خاصة بين فئة الشباب وان تكون هناك عقوبات رادعة على المخالفين.
ويضيف ان على المواطن الواعي مسؤولية كبيرة عند ملاحظة مثل هذه الاخبار وهي التقدم بشكوى الى الجهات المسؤولة المطالبة بتفعيل القوانين وتطبيقها على الجميع دون استثناء .