بريطانيا تجدد وعد بلفور

بعد 96 عاما من صدور وعد بلفور المشؤوم في الثاني من نوفمبر 1917، والذي تعهد فيه وزير الخارجية البريطاني إثر بلفور بإنشاء "وطن قومي لليهود" في فلسطين على حساب الشعب الفلسطيني، يعود رئيس الوزراء البريطاني الحالي ديفيد كاميرون ليجدد الوعد مرة أخرى أمام الكنيست الإسرائيلي في 12 مارس الجاري قائلا:" "مكانة إسرائيل كوطن للشعب اليهودي لن ترتكز أبداً على قرارات جوفاء قام بتمريرها سياسيون هواة.. وأن نزع الشرعية عن دولة إسرائيل خاطئ، هذا أمر بغيض وسنهزمه معا"، ويعلن معارضته لأي شكل من أشكال مقاطعة إسرائيل ويؤكد دعمه الصلب لأمن إسرائيل.. وأن بريطانيا تعارض المقاطعة، سواء كانت من النقابات العمالية التي تقوم بحملات لاستبعاد الإسرائيليين أو الجامعات التي تحاول خنق التبادل الأكاديمي".
لا يوجد صفاقة في الدنيا تعادل صفاقة بريطانيا التي تعود بعد قرن للتأكيد على جريمتها بحق الشعب الفلسطيني واستمرارها بدعم الكيان الصهيوني الإرهابي الذي أسس بمشاركة بريطانيا مأساة الشعب الفلسطيني المستمرة، وتهجيره خارج أرضه وتعرضه للويلات من حروب وحصار وقتل وإبادة في الأردن ولبنان وسوريا والعراق وليبيا ومصر، وتحويل الفلسطيني إلى "كائن غير مرغوب"، وتعذيبه على الحدود، ومنعه من ممارسة حقه الطبيعي كإنسان، ومحاولة البعض التعامل مع الشعب الفلسطيني على أنه "كتلة بشرية"، بل تجرأ وزير سياحة لبناني يدعى نقولا فتوش عام 1995 بالقول إن الفلسطينيين عبارة عن "نفايات بشرية".
بريطانيا أسست ورسمت وخططت وصممت ونفذت مأساة الشعب الفلسطيني، فاحتلت أرضه وقتلت أبناءه وشكلت لليهود جيشا وسلمته فلسطين، قبل أن تغادر، لتسلم راية الكراهية والعدوان للولايات المتحدة الأمريكية "الراعي الرسمي لإرهاب الدولة الإسرائيلي" والتي تدافع عنها في كل محفل، وتفرض على العالم أن يقبل بإسرائيل "دولة فوق القانون".
عودة بريطانيا ورئيس وزرائها لتجديد وعد بلفور والتعهد بحماية الكيان الإسرائيلي وأمنه "بصلابة" استهانة بالشعب الفلسطيني والأمة العربية، وللأسف فإن أحدا لم يعترض على تصريحات ديفيد كاميرون، وهذا يعني أن الأنظمة العربية موافقة على هذه التصريحات، فالسكوت علامة الرضى، وبينما تتجرأ دول مثل السعودية والإمارات والبحرين على سحب سفرائها من قطر لأنها لا توافق على الانقلاب في مصر، فإن هذه الدول، وغيرها بالطبع، سكتت وصمت أذانها عن إصرار بريطانيا على المضي قدما في جريمتها ضد الشعب الفلسطيني، لكن الأنكى من ذلك هو سكوت محمود عباس ميرزا وسلطته عنها، مع أنها تمثل "نظريا" تطلعات الشعب الفلسطيني بنيل حقوقه، وهو صمت مريب يعني الاشتراك الكامل بالجريمة.
بريطانيا لا تخجل من التأكيد على "مكانة إسرائيل ويهوديتها" ويعتبر رئيس وزرائها أن من يشكك بذلك "أجوف" ولا يفهم في السياسة، ويتفاخر أمام كنيست الاحتلال الإسرائيلي "بجذوره اليهودية"، وعلى الفلسطينيين والعرب عدم التردد بفضح بريطانيا وجريمتها التاريخية المستمرة والمتواصلة بحق الشعب الفلسطيني، وحق الأمة العربية التي اتفقت مع فرنسا على تقسيمها حسب ما يعرف باتفاق "سايكس – بيكو".
بريطانيا دولة بلا أخلاق، ولو كان لديها الحد الأدنى من الأخلاق والضمير لاعتذرت عن جريمتها بحق الشعب الفلسطيني لا أن تعود للتأكيد عليها بصلافة واحتقار لكل العرب.
ولكن ورغم كل الوعود والعهود، ورغم صلابة الالتزام "الغربي" بأمن الكيان الإسرائيلي، فإن هذا الكيان سيختفي وستعود فلسطين إلى أهلها وشعبها، فنهاية إسرائيل حتمية تاريخية، لأنه ليس أكثر من "كيان عابر في زمن عابر" بلا جذور أو تاريخ، فشعبه مختلق كما يقول شلومو ساند، وتاريخه مختلق كما يقول كيت وايتلام، ولا ديمومة لكيان مختلق حتى لو جاءت بريطانيا بكل جيوشها لحمايته.
(المصدر : الشرق القطرية 2014-03-18)