الرحلة 370

تم نشره الخميس 20 آذار / مارس 2014 01:06 صباحاً
الرحلة 370
سمير عطا الله

عام 1983 أو 1982 استقللت رحلة الخطوط الماليزية من لندن إلى الكويت بطريق فرانكفورت. ما إن أقلعنا من فرانكفورت وأعلن الطيار أننا نحلق فوق «الغابة السوداء»، أجمل بقاع ألمانيا، حتى استسلمت إلى نوم عميق، قطعه صوت الطيار مرة أخرى، معلنا أننا بدأنا الهبوط في مطار الكويت. بقيت رحلة الخطوط الماليزية في ذاكرتي، مثل الخطوط السنغافورية، أو طيران الإمارات، أي كما يقول العراقيون «تتدلل عيني». لكن، لا التدلل عاد ممكننا في العراق، ولا سمعة الخطوط الماليزية لن تتأثر بحبس الأنفاس، الذي خبره العالم بعد أربعين دقيقة من اختفاء الرحلة 370 ما بين كوالالمبور والصين.

لعلها أكثر القصص إثارة في تاريخ الطيران. لست أذكر في حياتي أنني قرأت هذا الكم من التفاصيل وأنا أتخيل طبيعة المحنة التي يمر بها 239 مسافرا كانوا على موعد مع مطار بكين، فإذا هم على مواجهة مع أقصى حالات الرعب والجنون. جمعت عشرون دولة، بينها أميركا والصين والهند، كل قواها المختصة للبحث عن المصير الضائع. وظهر لنا ما كان العاديون أمثالنا يجهلونه، وهو أن محركات «رولز رويس» تبث تقريرا عن حالتها إلى الأرض كل لحظة بصرف النظر عن عمل الرادارات التي تلاحق كل طائرة من تلك التي تنقل ثلاثة ملايين مسافر حول الأرض كل يوم.

كل دولة اعتبرت أن الطائرة المفقودة طائرتها. العالم الرديء يتحول في لحظة إلى عالم سوي ومعني بحدث يقع بين المحيط الهندي ومضيق الملايو. وكل خبير طيران وملاحة وأمان يتبرع بما لديه. وأهل الأرض الذين كانوا يخشون حربا عالمية في أوكرانيا نسوا ما يجري من عجرفة بوتينية مريضة في القرم ليتابعوا محنة إنسانية أكثر عمقا: طائرة آمنة إلا من المطبات يسجل الرادار أنها تحلق على 45 ألف قدم، مما يعني أن ركابها أصيبوا بالشلل، ثم تهبط في دقيقة إلى منخفض رهيب، مما يعني أن من لم يفقد الأكسجين فقد الروح.

ملحمة جوية لا مثيل لها. دعك من الخواتم لأن الملحمة الحقيقية تبقى في الساعات الأولى والأيام الأولى. العالم بأكبر دوله وقواه حائر أمام غموض يشبه قصص الصحون الطائرة التي اخترعها الأميركيون لكي يسلوا بها ذوي العقول الذين يفتشون عن شيء غير العرافين، أو المحتالين الذين يصرون على أنني ربحت، كل أسبوع، نحو 50 مليون يورو، وليس علي، لتسلمها، سوى إرسال رقم حسابي المصرفي بالبريد الإلكتروني.

ملحمة إنسانية رهيبة في بداياتها، وبصرف النظر عما سيظهر في الساعات، فإن الحداثة والتكنولوجيا لم تستغلا من قبل لهذا الكم من فظاعة الشر. كل ما آمله هو ألا تكون المسألة ما نخشى أن تكون: عالم يصنع طائرة تنبئ محركاتها الأرض بسير عملها دقيقة بعد أخرى، وعالم يعجز عن صناعة أي شيء، فيحول الطيران المدني إلى قتل حربي في جبهة قائمة على الغدر.

(المصدر الشرق الاوسط 2014-03-20)



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات