ما جدوى المؤتمرات إن حُبِسَت توصياتها في الدروج؟
عَقدُ المؤتمرات وَوِرَش العمل والندوات المتعلقة بشؤون الناس وشجونهم، أو الهادفة للتطوير والإنماء في الأصعدة المختلفة، أو المعنية بتدارس مسودَّات القوانين والأنظمة قبل إجراء التعديلات عليها من الجهات صاحبة الشأن، يُعَدُّ ظاهرة حيوية إيجابية. فالاستماع إلى أوراق العمل ومناقشتها وتبادل الأفكار والمعلومات مع الخبراء والمختصين وأخذ رأي نُشطاء العمل العام والتواصل المباشر مع شرائح المجتمع المختلفة ، إنّ هذا كلّه يشكِّل رافداً قوياً للموضوعات والقضايا مدار البحث، ويُقدِّم صورة صحيحة متكاملة تُغطي سائر الجوانب، ويُفضي إلى إعطاء الثِّمار المرجوة لخير الوطن وتطلعات الناس ومستقبل أبنائهم. لكن السؤال الذي يطرح نفسه: ما جدوى عقد تلك الأنشطة إذا كان مصير التوصيات والمقترحات والملاحظات والرؤى المنبثقة عن أغلب تلك الأنشطة الحِفظ، بل الحَبْس والتغييب في الدروج؟
وفي الوقت الذي تبذل فيها اللجان التحضيرية والتنفيذية في مراكز الدراسات والبحوث بالإضافة لمؤسسات المجتمع المدني المتخصصة دون غيرها - لكثرة وتزاحم هذه المؤسسات على ساحتنا !- الجهود لإنجاح الأنشطة، مِن تجهيزٍ ومتابعة واختيار المُحاضِرين من ذوي الكفاءة والاختصاص، بالإضافة إلى تحديد عناوين أوراق العمل المُراد الحديث عنها لمناقشتها من الخبراء والمختصين وجمهرة الحضور، نجد عند انعقادها غيابَ مُمَثِّلي الوزارات والمؤسسات الرسمية التي تعنيها مجريات تلك الأنشطة، بالرغم من إعلامهم المُسبق عنها قبل انعقادها بفترة طويلة. هذا الغياب الذي لا نجد ما يُبرِّره ويتكرر أمام أبصارنا كلما شاركنا في مؤتمر أو نشاطٍ يهدف للتطوير والتحسين واستشراف رؤى المستقبل، إن دلَّ على شيء فإنه يدُلُّ على ضَرْبٍ من اللامبالاة وعدم الرغبة في الاستماع إلى الطروحات والآراء المختلفة والمشاركة في النقاشات، أو يدُلُّ على وَهْمٍ الشعور بالتعالي والفوقيَّة وأنَّ المُحَاضِرين وجمهرة الحضور هُم أقل مكانة، ومن المحتمل أن يكون التغيب لاجتناب الخوض في استفساراتِ وأسئلةِ المشاركين على أهميتها في بلورة الرأي العام.
وعندما يكون المؤتمر برعاية أحد السادة الوزراء، حيث يكون برنامج وجلسات العمل ومضمون الأوراق المطروحة في صُلب تخصص وزارته، لا تجد في بعض الحالات التفاعل المُرتَجى منه. والدليل أنه ومع مُسْتهَلِّ البرنامج المُعَدّ تجده يُعلِن عن اضطراره للمغادرة لأسباب مِثل: "الانشغال باجتماعٍ طارئٍ" أو "وجود وفد خارجي" أو " الاضطرار للذهاب للقاء نوابٍ في المجلس الموقر" وغير ذلك من أسباب. ومع تقديرنا للالتزامات الطارئة ومُستجدات العمل، غير أن تلك الأسباب صارت تلازم الألسِنة في سائر الأنشطة ، علماً أن تحديد التاريخ والوقت يكون قد نُسِّق بدقة وبعد دراسة وافية . واللافت للانتباه أن بعض السادة الأمناء العامين في حال انتدابهم من بعض السادة الوزراء لرعاية تلك الأنشطة بسبب انشغالهم، ولا ضيْرَ في ذلك، تراهم وقبل انقضاء نصف ساعة على افتتاح النشاط الذي يخُص وزاراتهم، سَرعان ما يغادرون وعلى ألْسِنَتِهم الأسباب عينها.
وعليه، فإن عدم التفاعل الجَّاد، وعدم انتداب ممثلين عن الوزارات صاحبة الشأن، التي تضُمُّ أعداداً لا بأس بها من المساعدين والمستشارين ومدراء الدوائر وغيرهم، الذين يمكن انتداب بعضهم دون أن تتعطل أعمال الوزارات، لحضور جلسات العمل والمشاركة في تلاقح الأفكار وإبداء الرأي والنقاش مع أهل الخبرة والاختصاص وشرائح الناس مِن المهتمين الذين يَفِدون لإثراء جلسات العمل، لا يُعَدُّ منهجاً صحيحاً ولا يدُلُّ على رغبة في إصلاح الجوانب المُراد بحثٌها. ولعل انحسار أعداد المهتمين وشرائح المجتمع لحضور تلك الأنشطة كما نلاحظ منذ فترة وجيزة يعود لاقتدائهم بمن أسلفنا ذكرهم !
ويبقى السؤال: لمصلحة مَن حَبس التوصيات والملاحظات والرؤى المستشرفة للمستقبل وتغييبها في الدروج كما يتبدى للمتابع ؟ وهل اجتياز بوابة المستقبل يكون بالنهج الوارد أعلاه الذي يكاد يُثبِّط الهِمَم وهذا ما لا نرجوه من أحدٍ ؟