ترشحوا يرحمكم الله
يتسابق الناس من الكبار والصغار، وربما الصبيان ليسجلوا في قوائم المرشحين لإنتخابات مجلس النواب العراقي المزمعة أبرل القادم. يذكرني ذلك بمواسم الحج، وقد يأتي يوم على الناس لايجدون فرصة لكثرة المرشحين فيسجلوا ليحصلوا على فرصة من خلال القرعة علهم أن يحظوا بنصيب في طاعة الله، وهذا ينسحب على المواطنين الراغبين بالحصول على منصب في واحدة من مؤسسات الدولة العراقية التشريعية، أو التنفيذية. يحج الناس ويتسابقون للوصول الى مكة طمعا في الرضا الإلهي، وقد تعود المسلمون أن يختم كل واحد منهم حياته بالذهاب الى مكة. فثقافة المسلمين الزائفة تدفعهم الى الإعتقاد بأن ذنوبهم تمحى جميعها بمجرد وصولهم الى مكة، وطوافهم حول الكعبة المشرفة، وإن السماء تمطر ماءا قراحا لتطهر أجساد الحجيج من الأدران والخطايا والذنوب.
حكى لي صديق، إنه كان تقدم الى دائرة الحج ليسجل في قوائم الراغبين في أداء المناسك المقدسة، وإنه عاد الى بيته ينتظر الفرصة، ومرت الأيام والشهور، وذهب الناس الى الديار المقدسة وعادوا، وفرحوا بمانالوه من حظ عظيم، وفي يوم حضر رجل الى داري، ووقف عند الباب، ورحبت به، وطلبت إليه الدخول فرفض وإشترط ليدخل ان أبرأه الذمة. وتعجبت وسألته، ولماذا ياسيدي أبرؤك الذمة؟ قال، إنه دفع المال ليضع موظفو دائرة الحج إسمه مقام إسم آخر ظهر في قوائم المقبولين لأداء الفريضة، وقد كان الإسم المرفوع من القوائم هو إسمك. قلت له، وجئت اليوم لكي تطلب الصفح وليكون حجك مبرورا؟ قال، نعم. قلت، لاأبرؤك الذمة. ثم أهنته، وضربته ضربا مبرحا، وطردته شر طردة.
في حال إستمرت الرغبة المحمومة التي تعتري الناس للترشح الى المناصب الرفيعة فإن يوما سيجئ يكون جميع العراقيين مرشحين الى مجلس النواب، أوالى مجالس المحافظات، عدا عن الدرجات الخاصة، والمناصب الرفيعة والرفيعة جدا.الناس يتسابقون لنيل فرص الذهاب الى مكة لينالوا رضا الله، لكن لماذا يندفع الناس ليكونوا أعضاءا في البرلمان وفي مجالس المحافظات؟
في الواقع فإن السبب الأساس يعود للفجوة الهائلة التي إتسعت في السنوات العشر الأخيرة بين المواطنين العاديين وطبقات من المجتمع، وبين المواطنين الذين أصبحوا بين ليلة وضحاها نوابا في البرلمان، أو في مجالس المحافظات فحصلوا على إمتيازات غير مسبوقة، وصار المواطنون يتحدثون عن ذكرياتهم مع النائب الفلاني والنائب العلاني، وكيف كان النائب فلان يعيش، وكيف صار اليوم، وكيف كانت فلانة تعمل في مهنة وضيعة، وفجأة تحولت الى سيدة راقية تمتلك السيارات الفارهة والبيوت، ويتبعها عناصر حماية مدججين بالسلاح، وتجري النقود بين يديها، بينما يعيش عشرات آلاف المواطنين الآخرين على ضفاف جمهوريات المزابل المستقلة المحيطة ببغداد، ومنهم من يضربه الحرمان في بقية المحافظات؟
ترشحوا يرحمكم الله لعلكم تنالون فرصة، كتلك التي نالها مواطنون آخرون تحولوا بقدرة قادر من بسطاء الى عظماء.. ترشحوا تفرحوا..