الرئيس "الافتراضي"... حاذروه!

تساهم حمى الاستطلاعات التي تجتاح الاعلام اللبناني في هذه الحقبة في إضفاء حيوية زائدة على مجتمع أهلي وسياسي لم يعرف يوما عن الاستحقاقات الرئاسية في لبنان سوى كونها مقبرة الاحلام والطموحات السيادية والمعبر الأشد وطأة للمداخلات الخارجية والطبخات التي تدبر في ليل وتسقط كلمات السر في اللحظة الاخيرة بمعزل عن المعايير الديموقراطية الحقيقية. تبعا لذلك وبصرف النظر عن التطور التقني الهائل الذي يجعل الاستطلاعات ممرا لا مفر منه مع كل دورة انتخابية في اي استحقاق بلديا كان ام نيابيا ام رئاسيا ثمة وجه آخر يكتسب دلالة ملبننة بالكامل للإفراط الإعلامي في تعويم المشهد الرئاسي الطالع بالاستطلاعات والاستفتاءات وهو وجه لا يتصل حتى بحمى المنافسة الاعلامية المشروعة. ونعني بذلك ذلك "البدل عن ضائع" في واقع "سيئ السمعة " تاريخيا رهن اكبر الاستحقاقات الانتخابية اللبنانية لإرادة الخارج ناهيك باستباحته للأصول الدستورية بتعديلات استثنائية حين تتقاطع المصالح الخارجية والداخلية عليها في اللحظة الاخيرة أيضاً.
لكن ذلك لا يعني في المقابل أن الانتخاب "الافتراضي" على غرار ما تسوّقه الاستطلاعات الآن، وبصرف النظر عن نسبة صدقيتها ودقتها وتجردها وطابعها التحديثي، لا يترك آثارا او مفاعيل جانبية سلبية أقله على رأي عام بات يقبل بل ويستسيغ هذه الموجة ويتكيف مع آلياتها الحديثة. والمسألة هنا تتعلق بوهم يكبر ويتضخم من شأنه ان يترك في لحظة "الهبوط" الى الارض والواقع خيبات متعاظمة اضافية. مثال ذلك ان معظم الاستطلاعات الموجهة أولا وأخيرا الى المتلقي اللبناني تصور المرشح - الرئيس المفترض في صورة سلطوية مطلقة مجافية تماماً لواقع صلاحياته الدستورية الواقعية. وهي ناحية لا يجوز التقليل من خطورتها على مزاج الرأي العام اذ تضعه في مناخ لاواقعي أشبه ما يكون بتلك الموجة الزاحفة حول ما يوصف بالمرشح القوي. يجري المزج الخاطئ بقوة هنا بين مواصفات مرشح يتكئ الى قاعدة شعبية ورئيس مقيّد الصلاحيات بعد اتفاق الطائف الذي ناط السلطة الاجرائية بمجلس الوزراء مجتمعا. بمعنى ان قوة الرئيس غالبا ما أمست شخصية وليست دستورية بالمعنى الجاري شحنه.
تتساوى بذلك الدعاية المفرطة والحملات الانتخابية لمرشحين يذهبون في اتجاه عملقة الآمال والطموحات في خطر تكبير وهم "الرئيس المنقذ" او الرئيس الاستثنائي العتيد. وهو خطر حقيقي الآن اكثر من اي وقت مضى، في ظل تجربة غير مسبوقة قيد الاختبار "لانتخاب" رئيس للجمهورية في ساحة النجمة لا يهبط بمظلة خارجية ثلاثية او رباعية او خماسية الضلع. أقله والتجربة في مطالعها فليكن الحلم أيضاً متواضعا واقعيا لئلا يستفيق اللبنانيون تكرارا على ما ادمنوه وتجرّعوا كأسه من خيبات.
(النهار 2014-04-03)