حصة الربيع

السجال اليوم طويل عريض من حول ما كان يسمّى، إلى فترة ما، الربيع العربي. ويكاد هذا السجال يجمع، على ألسنة معظم الخائضين فيه على أن هذا الربيع، كما ظهر في ملامحه الأولى قبل ثلاث سنوات ونيّف، يعيش الآن نكوصاً واهتراءً مدهشين... ولكن على الصعيدين السياسي والأمني فقط على الأرجح. أما من ناحية ارتداداته الفكرية والذهنية، فإن الوقت لا يزال أبكر من أن يدفع إلى الحديث عن موته. فعلى الأقل، هناك إشارات وإرهاصات وأحداث محددة تكاد تقول إن ثمة أملاً لا يزال باقياً، على هذا الصعيد، وربما أكثر من أمل.
من هنا، سيحق - للمرء أن يتساءل – أو على الأقل يعود إلى التساؤل انطلاقاً من أنها ليست المرة الأولى، بالطبع التي تُطرح فيها هذه القضية - لماذا إذاً لا يجد المرء انعكاساً ما لهذا الربيع، أو لما تبقى منه، على الشاشات الصغيرة، لا سيما في مجال الدراما أو حتى في الكثير من البرامج التي يبدو واضحاً أن أصحابها لا يتوقفون عن البحث عن مواضيع وأفكار فيعجزون، ولا يكون منهم سوى أن يكرروا أنفسهم حين لا يجدون أفكاراً مستوردة جاهزة يحاكونها أو يشترونها أو يسرقونها؟...
مع هذا بات من نافل القول إن المواضيع الموجودة تذكرنا بالقول العربي المأثور «إن المعاني منثورة في الطريق» وما على «المبدعين العرب»، لا سيما منهم أولئك الذين كانوا، بداية، في عداد أهل الربيع، إلا أن يلتقطوها ليحولوها أعمالاً إبداعية لعلنا لا نكون مبالغين إن قلنا إن مجتمعاتنا العربية هي الآن أحوج ما تكون إليها. وطبعاً لا نعني بها تلك الأفكار السهلة التبسيطية التي تحاول أن تلقي اللائمة في تخلفنا الاجتماعي العربي العام، على الأنظمة المنهارة وحدها، طالما أننا نعرف أن الداء منغرز أعمق كثيراً وأن مقداراً كبيراً من الوعي الثقافي والاجتماعي وتحريك الذهنيات وتقديم أعمال وأفكار تساعد الفرد العربي، والمجتمع العربي في شكل أعم على دخول العصر والخروج من الماضي لدخول حركة التاريخ، مطلوب ومسموح ويمكن تقبله في هذا الزمن الانتقالي الذي نعيش فيه.
المسألة تتعلق بوعي النخب الفنية في بلادنا وبرغبتها في رفد ما تبقى من الربيع العربي وأهله، بأعمال فنية تبعث هذا الربيع من سباته وتحوّله إلى نوع من الدينامية الخلاقة، وتتعلق بما هو متاح، لا سيما عبر استخدام الشاشات الصغيرة التي نعرف وتعرفون أنها تعيش في هذه الأيام ذروة نشاطها في إنتاج وتحقيق الأعمال التي سوف تعرض في شهر رمضان الكريم المقترب حثيثاً ليدفعنا إلى التساؤل مرة أخرى: ما الذي ستحمله الأعمال الرمضانية من أعمال خلاقة تلتقي مع الربيع، لقاء فنانيها معه قبل سنوات في الميادين والساحات حيث صرخوا مطالبين بالتغيير من أجل المستقبل، وقد سها عن بالهم أن تغييراً ما وأساسياً يجب أن يبدأ من عندهم؟
(الشرق الاوسط 2014-04-09)