«لحوم مغشوشة» تُهدّد صحة المواطن والرقابة تحتاج لـ «رقابة»
المدينة نيوز :- تنامت في الآونة الأخيرة ظاهرة الغش في أسواق اللحوم والدواجن بابتكار طرق جديدة ومواد متنوعة مع التأكيد على أن هذه الظاهرة ليست بالجديدة على أسواقنا المحلية حيث أصبحت الأساليب والوسائل الجديدة معروفة والتي استحدثها بعض ضعاف النفوس من الانتهازيين الساعين لرفع نسبة أرباحهم «الحرام» بشتى السبل والطرق غير آبهين بحياة الناس وصحتهم على الإطلاق، وقد شجعهم على هذه الأفعال الصارخة، ترهل الرقابة وضعف العقوبات، مما اسهم في انتشار الظاهرة واستمرارها جهارا نهارا.
ونظرا للمخاطر التي ستفرزها هذه الظاهرة تفتح ملف «غش اللحوم» على مصراعيه، لتعلق الجرس وتضع كلا أمام مسؤولياته المنوطة به لحماية أبناء الوطن من خطورة استفحال هذه الظاهرة وفقا للدستور.
عبر السنوات الماضية كان اللحام يغش اللحمة بكمية أكثر من اللازم من الدهن وطرق بسيطة في الغش لا تصل للاضرار بصحة المستهلك في معظم الاحوال، الا ان الغش في هذا القطاع تطور كثيرا وأصبح يحصل بإضافة لحم العجل أو البقر إلى لحم الضأن بعد أن حصل تمايز بين النوعين وظهور فارق بالسعر وهذه الحالات وإن أدرجناها في خانة الغش إلا أنها لم تكن تؤثر أيضا على صحة الناس، وإن كنا نسمع أو نقرأ بين الحين والآخر، عن غشاشين يبتكرون طرقا طريفة لممارسة غشهم، مثل «خياطة» لية خاروف بلدي بمؤخرة خروف مستورد، لتظهر للناظرين على أنها بلدي وغير ذلك.
أساليب غش متنوعة ومتقنة
لكن هذه الأيام اصبحنا كثيراً ما نسمع أو نرى أو نقرأ عن حالات غش تقشعر لها الأبدان من بيع لحوم لحيوانات نافقة أو مريضة بأمراض حجرية معدية، وعن قيام بعض الانتهازيين من الغشاشين بإضافة أحشاء الطيور إلى اللحوم المعدة لاستهلاكها في بعض المطاعم، إضافة إلى بيع لحوم مفرومة ومضاف إليها البطاطا والبهارات، وجزء من الطحال على أنها طازجة وخلط لحوم العجل المستوردة مع لحم العجل البلدي، وبيع اللحوم المجمدة على انها طازجة، وصولا إلى اختراع خلطات من اللحوم المتنوعة من أحشاء الطيور وبعض الخضرة والبهارات واستعمالها في صناعة المعجنات والفطائر والكبة المحشوة، التي يتناولها الناس دون معرفة مكوناتها وهو يعتقد أنه قد تم اعدادها من اللحم الطازج.
وتتنوع أساليب الغش الماكرة بطرق محكمة فبعض الموزعين لا يقومون بإعادة كميات اللحوم والدواجن منتهية الصلاحية الى المصانع بل يتم تقطيعها واعادتها لمحلات اخرى حيث تستخدم مجددا في المطاعم بشوائها وطبخها كما يستخدمها البعض في اعداد الشاورما وتباع للمستهلكين مرة اخرى ولكن بطرق ملتوية مليئة بالمخاطر على صحة الانسان.
وعلى سبيل المثال لا الحصر، دخلت بعض المولات على خط الغش بتقديم عروض لدواجن ولحوم منتهية الصلاحية يتم ازالة غلافها الوارد إلى المول من الشركة المنتجة والذي يتضمن بيانات صلاحية الاستهلاك، ليتم تقطيعها وتغليفها مجددا بعبوات بلاستيكية، فيما يتم تصريف باقي الكمية منتهية الصلاحية بتقطيعها وتتبيلها وبيعها جاهزة للطبخ بعد عرضها في اطباق بلا اي بيانات انتاج ومدة صلاحية على الإطلاق!..
وكذلك الأمر بالنسبة لللحوم المنتهية الصلاحية حيث تقوم بعض المولات بفرم اللحوم الفاسدة «فرمة ناعمة» ووضعها مجددا في اكياس واطباق تم توزينها مسبقا وتحديد سعر كل كيس أو طبق وباسعار اقل من المحددة حيث يقبل على شرائها المستهلكون من محدودي الدخل نظرا لانخفاض اسعارها ودون ان يعلم بمخاطرها الصحية على الانسان وما تتسبب به من امراض جرثومية وسرطانية قاتلة!..هذا دون أن نغفل عن الاشارة إلى ان معظم المحلات والمولات تقوم بقطع التيار الكهربائي عن الثلاجات بعد اغلاق ابوابها في ساعات المساء بهدف توفير نفقات استهلاك الكهرباء!.
مواطنون يؤكدون غياب الرقابة
هذه الفوضى العارمة التي تجتاح اسواق اللحوم والدواجن في معظم مناطق المملكة ازدادت وانتشرت كثيرا في الاونة الاخيرة ذلك لاسباب عديدة لكن يظل ابرز تلك الأسباب غياب الرقابة الرسمية عن تلك الاسواق بالاضافة لكون العقوبات تبدو خجولة وغير رادعة على الإطلاق بحسب اراء مواطنين التقتهم «الدستور» للحديث عن هذه الظاهرة الخطيرة!.
المواطن نايف الظواهرة شكا من قيام محال جزارة ومطاعم شعبية وسط البلد باستخدام أساليب متعددة لإذابة اللحوم المجمدة المستوردة، ومن ثم تطريتها وخلطها بشحوم ومستلزمات إعداد الكباب والكفتة والشقف والبهارات المتعددة، ليصار الى بيعها مطبوخة بأسعار اللحم الطازج او البلدي سواء في المطاعم او في محال بيع اللحوم.
ووفق مواطنين اخرين ترتكب هذه المطاعم مخالفات صريحة لقوانين الصحة والسلامة بإعادة تبريد هذه اللحوم مجددا، ما يتسبب بأمراض بكتيرية وجرثومية متعددة أو طفيليات تسبب المرض للإنسان.
وقال المواطن مهند جرار إن معظم محال الجزارة وبعض المطاعم بعيدة عن الرقابة الصحية، إضافة لقيامها بالتحايل على الانظمة وممارسة استغفال المواطن عندما يقومون بشراء اللحوم المجمدة المستوردة واذابتها وخلط اجزاء منها بـ»قص» شحوم ومن ثم خلطها بالبهارات المكثفة، ومتطلبات اعداد الكباب والفتة لتباع للمواطن على انها لحوم طازجة او بلدية في احيان اخرى.
بدوره أكد حسن الفاعوري أن أكثر من محل جزارة ومطعم في مناطق عديدة من عمان يمارس التحايل على الزبائن بتقديم اللحوم المجمدة على انها طازجة بعد تطريتها بطرق تغيب عنها ادنى الشروط الصحية وبأسعار عالية إضافة الى غياب النظافة عن المطاعم والعاملين فيها.
وأشار المواطن محمد العمري إلى أن تلاعب بعض التجار ببيع لحوم مجمّدة على أنها طازجة، أو بيع لحوم مغايرة لمصدرها الأصلي، بهدف زيادة الربح، مشيرا الى انه يصعب على المواطن معرفتها.
أما براء مسلم قاسم «موظف» فهو لا يثق بأي من اللحوم التي تباع في المحلات مشيراً إلى أنها عرضة للغش على نحو كبير، وهذا الأمر لا يمكن أن يحكمه إلا الضمير، والضمير في هذه الأيام عملة نادرة فالكل يريد الربح والغنى بسرعة، مشيرا الى ان هناك مقولة شائعة ودارجة لدى المواطنين مفادها «أن اللحام لا بد من أن يغش في بيع اللحم حتى ولو كان ذلك اللحم مخصصاً لبيته بحسب وجهة نظره».
مسؤوليات متشعبة وتصريحات كلامية
في غضون ذلك تتشعب مسؤوليات الرقابة وتتبعثر جهودها بوجود بضع جهات معنية بذلك منها دائرة الرقابة الصحية في امانة عمان الكبرى وبعض الشركاء في المسؤولية مثل (وزارة الصناعة والتجارة والمؤسسة العامة للغذاء والدواء، ووزارات الصحة والداخلية والزراعة والبيئة، ودائرة المواصفات والمقاييس)، وتختلف مسؤولية هذه الجهات بحسب طبيعة وصلاحيات عمل كل منها، إلا أن الجامع بينها هو ضعف الرقابة، رغم تأكيدات مديرية الرقابة الصحية في أمانة عمان أنها تمارس الرقابة المستمرة على محال بيع اللحوم والمطاعم.
وقال مسؤول في امانة عمان الكبرى أنه يشترط في تطرية اللحوم المجمدة ان تتم وفقا لأسس علمية ألا وهي التطرية بدرجة حرارة الثلاجة لمدة 18 ساعة او التذويب السريع لضمان صلاحية اللحوم، وبغير ذلك تتم المخالفة، مشيرا الى أنه بخصوص بيعها على أساس انها بلدية فهذا اختصاص وزارة الصناعة والتجارة.
وأكد ان الأمانة تشدد رقابتها باتخاذ الإجراءات القانونية بحق المخالفين وان المطاعم ومحال بيع الجزارة وسط البلد يتم التفتيش عليها من قبل الامانة باستمرار سواء من خلال فرق المنطقة او الدائرة الأم، مبينا انه تم اغلاق العديد من هذه المحال لمخالفتها التعليمات وإتلاف لحوم لعرضها بطرق غير صحيحة وتم تحويل أصحابها الى المحكمة المختصة لاستكمال الإجراءات.
بؤر الذبح خارج المسالخ
هذه الفوضى العارمة التي تميز سوق اللحوم ولا سيما اللحوم الحمراء، إذ ليس لهذه الاسواق اي ضابط ورغم أن هناك جهوداً كبيرة سبق أن بذلت لمحاولة السيطرة على اسواق اللحوم وضمان جودتها من أجل الحفاظ على صحة المستهلك، فإن الواقع يشير إلى نتائج غير مرضية ولا تزال سبل التعاطي الرسمي مع هذا الموضوع قاصرة وعاجزة تماما ودون المستوى المطلوب، ولمن يريد ان يتأكد من صحة ذلك بعيدا عن تصريحات المسؤولين الاعلامية المستهلكة، فما عليه الا القيام بجولة الى تلك الاسواق ليكتشف الحقائق المذهلة.
يقول مدير عام اتحاد المزارعين المهندس محمود العوران ان هناك مناطق متعددة تعرف بأنها تجمع للمذابح السرية ولمحلات اللحم «المخالف» خاصة في جنوب عمان وصويلح والتي لم تفلح الإجراءات في تغيير وضعها واستمرت مصدراً رئيساً في تأمين هذه المادة لآلاف المستهلكين حيث تذبح في الكثير من هذه المناطق إناث الأغنام والرؤوس المريضة أو التي لا يريد أصحابها لسبب أو لآخر إرسالها إلى المسالخ الرسمية المعتمدة.
واشار العوران الى انه ورغم أن هناك فترات كان يتم فيها التشدد في التعامل مع هذه المناطق ومحاولة ضبطها بشتى الوسائل سواء في تنفيذ حملات تفتيش والقيام بحملات متكررة يتخللها مصادرات وتشميع وتغريم وتحرير مخالفات لكن هذه الأماكن لم تتغير وظيفتها واستمر العمل قائماً فيها على قدم وساق إلى جانب عملية الذبح العشوائي وغير النظامي وقس على ذلك ما يجري في الكثير من المحافظات بهذا الخصوص.
الغش في عيون الجزارين
وعن حالات الغش في اللحوم قال أحد الجزارين: إن هناك بعض ضعاف النفوس من اللحامين الذين يشترون بعض الأبقار أو العجول من بعض المربين أو المزارعين بأسعار قليلة لأنها تكون مريضة ويقومون بذبحها بطرق خاصة وليس في المسالخ الرسمية ثم يقومون بخلط لحمها مع اللحوم الأخرى من دون أن يشعر الزبون، مشيرا الى انه أيضاً يمكن أن يتم خلط اللحم المجمد المستورد بعد اذابته بلحم العجل.
ويقول جزار آخر: إن أخطر أنواع الغش في بيع اللحوم الحمراء هو بيع لحم حيوان نافق، فإذا ما تم تقصيب الحيوان في اليوم الأول لموته فمن الصعب معرفة الزبون ذلك، أيضاً هناك حالات خلط لحم الغنم بلحم العجل وبيعها على أساس أنه لحم غنم لأن سعره أعلى من سعر لحم العجل، كذلك الغش بخلط اللحم حيث يتم فرم اللحم المستورد المجمد أو غير المجمد مع اللحم البلدي وبيعه بسعر البلدي، وتكثر حالات الغش في اللحم المفروم، بعد أن يقوم بعض الجزارين بتعليق فخذ عجل صغير على الواجهة لإيهام الزبائن بأن اللحم الموجود داخل المحل طازج وجيد وطري وبلدي بينما يوضع في الثلاجة اللحم المغشوش الذي يريد تصريفه للزبائن.
قصابون يبررون الغش
ويلاحظ بصورة واضحة وجود تباين في أسعار اللحوم بين محل وآخر في الاسواق نفسها، ففي بعض المحلات يكون سعر كيلو الخاروف البلدي بعشرة دنانير واخر بـ(12) دينارا الى ان يصل في محال اخرى الى نحو (14) دينارا وقس على ذلك لحم العجل البلدي والمستورد والخراف المستوردة من مناشىء متعددة حيث تتفاوت الاسعار من محل الى اخر في السوق الواحد!..
وحين سألنا عن السبب في هذه الفروقات الكبيرة والواضحة في الأسعار قال لنا أحد الباعة مازحاً: إن باعة اللحوم لا يمكنهم العمل والبيع من دون غش!.. فيما قال بائع آخر مداعبا: إن باعة اللحوم يغشون حتى أنفسهم ليستطيعوا تحقيق الارباح المناسبة، كون البيع بالطريقة القانونية لا يحقق لهم الربح الكافي ولا سيما في ظل ارتفاع أسعار الذبائح الحية في الأسواق.
الكباب والكفتة.. الغش الأسهل
وهنا.. فإن مادة لحم «الكباب» و»الكفتة» في معظم الحالات، وعند العديد من القصابين تكون مغشوشة، ولا سيما أن عملية غشّها تكون سهلة وغير ممكن اكتشافها، خاصة عندما تُوضع عليها البهارات والمنكهات، حيث ان معظم رواد المطاعم لا يدققون في نوعية اللحم ومصدره، كما يقوم بعض أصحاب محلات معجنات اللحمة بإضافة أنواع عديدة من اللحوم الرخيصة والبهارات إلى اللحوم المستعملة في صنع الفطائر حيث تكون عملية الغش سهلة، رغم ان معظم تلك اللحوم غير صحية من الناحية الكيميائية والجرثومية نظرا لكون معظمها من النوع المجمد المستورد الرخيص والذي يتم اذابته بطرق خطيرة وغير آمنة وخلطها بجلود ومتبقيات وزوائد تنظيف اللحوم التي يتم اخذها من نفايات داخلية لمحال الجزارة وباسعار زهيدة جدا.
وتتنوع عمليات الغش التي تجتاح اسواق بيع اللحوم، خاصة وأن عمليات غش اللحوم سهلة جداً ولا تحتاج جهداً كبيراً، فالعديد من باعة اللحوم يقومون بخلطها ولا سيما باعة لحم العجل فهم يقومون بخلط اللحم المستورد المجمد مع اللحم البلدي، وأحياناً يقوم بعض الباعة بزيادة كمية الدهن والشحم في اللحم المباع على حساب الهبرة، وآخرون يقومون بتحضير كميات كبيرة من اللحم المفروم أمام ماكنة الفرم المخصصة، وحين يأتي الزبون لشراء اللحم المفروم سواء كان ناعماً أو خشناً يقومون بتحضير قطعة لحمة خالية من الدهن امام الزبون ويقومون بوزنها ثم يضعونها في مكانة الفرم، ويستديرون ليصبح ظهرهم حاجزا امام رؤية الزبون يقومون بعد ذلك بجلب الكمية المطلوبة من اللحوم المعدة مسبقاً وهم بذلك يوهمون الزبون بأنهم باعوه اللحمة المثالية في الوقت الذي يكونون فيه قد قاموا بالغش بصورة «متقنة».
الدواجن.. طرق وابتكارات
وعن الغش في قطاع الدواجن حدث ولا حرج حيث يقول صاحب محل لبيع الدواجن: إن ابرز حالات الغش في قطاع الدواجن هو بيع الدجاج النافق واستخدامه في اعداد الشاورما أو في حالات بيع الدجاج المقطع مسبقاً «أفخاذ، صدر، دبوس، أجنحة»، والى بعض المطاعم لتجهيزه للشواء المتنوع او لطبخه مع المأكولات، مشيرا الى انه أيضاً يقوم بعض اصحاب المزارع ومربي الدواجن بإطعام الدجاج نحاتة أو حصى لزيادة وزنها.
كذلك تلجأ بعض المولات ومحال بيع الدواجن الى اعادة تسويق الدجاج الطازج والمغلف والذي يرد اليها يوميا، وذلك عندما تنتهي مدة صلاحيته حيث يتم اخراجه من التغليف الخاص به والمثبت فوقه بيانات الانتاج ومدة صلاحية الاستهلاك، ليتم تقطيعه وتتبيله واعادة تعبئته بعبوات بأوزان محددة من مستلزمات الدجاج الجاهز للطبخ والشواء.