نُذُر التطرف المرعبة

بقيت الأردن طوال المراحل السابقة تعيش حالة من الاعتدال النسبي الذي ظهرت معالمه وآثاره في مختلف المجالات السياسية والدينية والاجتماعية،رغم بعض البؤر المحدودة في بعض المناطق الأردنية، التي ظهرت فيها بعض بذور الفكر المتشدد والمظاهر المتطرفة، الآخذة بالتزايد والنمو، والتي أخذت تنتقل إلى بقاع أخرى وإلى مستويات جديدة.
المرحلة الراهنة التي تخضع لظروف جديدة، وتغيرات كبيرة تطال المنطقة العربية، على مختلف الصعد السياسية والفكرية والثقافية والاقتصادية، تشهد مؤشرات وملامح خطرة، تتمثل بزيادة مساحة التطرف، وزيادة عدد المظاهر والأحداث التي تعبر عن نمو هذا الاتجاه في أوساط الشباب وأوساط المتدينين والأوساط السياسية، وطلبة الجامعات ورواد المساجد، بل يمكن أن يلحظ المراقب زحفاً بطيئاً لهذا الفكر نحو النخب، وفي اوساط مؤسسات الدولة.
لم يعد الفكر المعتدل جاذباً، ولم تعد الطروحات السياسية المعتدلة تجد رواجاً وإقبالاً، في ظل سيادة مشاعر الاحباط واليأس التي اجتاحت الشارع العربي كله من مشرقه إلى مغربه نتيجة الانقلاب على الثورات الشعبية، وتعرقل مسار الاصلاح والعودة إلى حكم العسكر ومسلسل الاعتقالات والمطاردات الأمنية والأحكام القضائية الجائرة والمسيسة.
زيادة المتعطِّلين عن العمل، ومضاعفة أعداد الخريجين الذين تقذف بهم الجامعات إلى سوق كاسد، في ظل تعثر المشاريع التنموية، وفي ظل العجز عن مواجهة الفاسدين واحتكار الحيتان للشركات الكبرى، وفي ظل العجز عن ايجاد خطة تنقذ الاقتصاد وتخفض العجز وتقلل الدين العام وفي ظل العجز عن ايجاد استراتيجية توائم بين التعليم الجامعي وسوق العمل،كل ذلك يؤدي إلى فقدان الثقة، وترعرع مشاعر الغضب والتوتر وزيادة منسوب الاحتقان الذي يشكل بيئة مناسبة لاستنبات بذور العنف والتطرف الديني والفكري والسياسي، ويسهل الاختراقات في المجتمع، ويجعل الشباب فريسة سهلة بأيدي أصحاب الأهواء والمطامع، وفريسة سهلة للتجنيد في ظل الضحالة الفكرية والسطحية الثقافية السائدة، وفي ظل غياب الاستراتيجيات القادرة على رصد الظاهرة ومعالجتها بطرق علمية ودراسات موضوعية.
ما شهدته الساحة الأردنية من إقدام بعض الشباب على طعن إمام مسجد في الوحدات نتيجة الاختلاف في الرأي والمذهب، وما يحدث من استخدام للسيوف والخناجر والأسلحة النارية في بعض المشاجرات، وما يظهر من مستوى عنفي غير مسبوق في الحوارات الدائرة في وسائل التواصل الاجتماعي التي خرجت عن المستوى المألوف، وتجاوزت كل السقوف، وما يحدث أحياناً في أعقاب المباريات الرياضية، ما هو إلا تعبير عن احتقان مكبوت، يتم التنفيس عنه بأشكال كثيرة وعديدة.
أكثر المظاهر خطورة أن يزحف التشدد نحو أساتذة الجامعات والساحات الطلابية، وأن يصعد نحو النخب في بعض مواقع التوجيه والتأثير، ما سيؤدي حتماً إلى اتساع الخرق وينذر بشرر متطاير قد يصيبنا جميعاً، وقد تصعب معالجته في حالة التلكؤ والإبطاء في الدراسة والمعالجة الحكيمة.
ينبغي علينا جميعاً قراءة المشهد ببصيرة وحكمة، وعين ثاقبة، كما يجب التعاون بين كل الجهات والأطراف المسؤولة، في محاصرة ظاهرة التطرف عبر حزمة من السياسات المختلفة، وعبر عدة مسارات أهمها:
في المسار السياسي لا بد من التفكير بطرق الاستيعاب المرن الذي يبتعد عن التفكير بالمواجهة العنيفة، لأن العنف لا يولد إلّا العنف، ولذلك لا بد من البحث عن ايجاد أطر تشاركية تستوعب شرائح واسعة من الشباب وأصحاب الاتجاهات المختلفة ولا بد من إعادة الثقة المفقودة بين الحكومة والشعب، وبين الجانب الرسمي والشعبي.
في المسار التربوي والتعليمي لا بد من أن تنهض الجامعات خاصة كليات الشريعة، بنشر المفاهيم الصحيحة للاسلام، وتعزيز المنهج المعتدل البعيد عن الافراط والتفريط، بالتعاون مع المعلمين ووزارة التربية عبر خطط مدروسة ومناهج جديدة ومعاصرة.
في المسار الاقتصادي يقتضي الاتجاه نحو ايجاد المشاريع التنموية الناجحة القادرة على استيعاب الشباب، والقادرة على تخفيض نسبة البطالة خلال مدّة محدودة، بالإضافة إلى سرعة الانجاز في محاسبة الفاسدين، وإعادة الأموال المنهوبة، وحل مشكلة الطاقة.
في المسار الأمني لا بد من التوجه نحو استراتيجية الأمن الشامل التي تجمع بين الثقافة والفكر، والتربية والاقتصاد والصحة، وتقوم على فلسفة التعاون والمشاركة، والحرية والعدالة والانتماء الوطني، والانضباط التشريعي.
في المسار الاجتماعي والشبابي ، تشجيع الشباب على الانخراط في الأعمال التطوعية، والمبادرات التنموية، والتوجه نحو تنمية الريف، والحد من الهجرة إلى المدن المكتظة.
(الدستور 2014-04-16)