محاضرات الرؤساء السابقين

من تقاليد العمل السياسي في الأردن أن على المسؤول الكبير الذي يغادر موقعه أن يصمت لمدة سنة على الأقل ، وإلا اعتبر كلامه تشويشاً على المسؤول الحالي أو دليلاً عن عدم رضاه لانتهاء دوره.
بعد سنة من التحرر من قيود المنصب الرسمي ، يصبح من حق المسؤول السابق أن يتكلم دون أن يخشى الاتهام. بل إننا كنا دائمأً نطالب المسؤولين السابقين بان يكتبوا مذكراتهم ، وأن يقدموا محاضرات مفتوحة للاستفادة من خبراتهم العملية والاشتراك في الحوار الوطني حول القضايا الراهنة.
حتى إذا قبل هؤلاء الدعوات الموجهة إليهم لتقديم محاضرات حول رؤيتهم للقضايا المطروحة للنقاش ، قمنا بشويهم على نار حامية بحجة أنهم لم يحققوا ما يطالبون به الآن عندما كانوا على رأس المسؤولية ، أو أنهم أصبحوا معارضين بمجرد مغادرتهم للدوار الرابع أو الوزارة!.
هناك بطبيعة الحال فرق شاسع بين تقديم الحلول النظرية التي تصلح للمقالات والمحاضرات ، وبين اتخاذ القرارات الصعبة ، فالمسؤول يجد أمامه قيودأً ومحددات وعقبات كثيرة في مجال التنفيذ ، لا يجد مثلها عندما يقدم محاضرة يتكلم فيها بحرية وفق قناعاته ولو لم يستطع تحقيقها كلها عندما كان مسؤولاً عاملاً.
رجال الدولة الحقيقيون يظلون مسؤولين تجاه المجتمع والدولة ، سواء كانوا عاملين أو متقاعدين ، ومن حقهم ، بل من واجبهم ، أن يعبروا عن وجهات نظرهم واقتراحاتهم من موقع المسؤولية الوطنية.
في وقت ما كان الرؤساء والوزراء السابقون يلجأون إلى الصمت بانتظار رنين الهاتف لاستدعائهم للعودة إلى مناصبهم ، ولكن يبدو أن الانتظار طال ، فلا بد من الكلام والتحرك ، ذلك أن الرؤساء السابقين مخزن خبرة ، ومن هنا نجد معظمهم في مجلس الأعيان باعتباره بيت خبرة.
عندما قدّم معروف البخيت محاضرة استراتيجية ، وقدّم سمير الرفاعي محاضرة اقتصادية ، أدى كل منهما بواجبات وطنية ، سواء اتفقنا أو اختلفنا معهما.
يبقى أن من حق المسؤول السابق أن يتحول إلى معارض إذا كانت لديه مؤهلات ومبررات المعارضة ، ومن حقـه أن يطالب بما لم يستطع أن يحققه في عهده ، وفي جميع الحالات إذا كان السكوت من فضة فإن الكلام من ذهب ، والجمهور المثقف والمسيس قادر على التمييز بين الذهب والخشب. وهناك نقاد جاهزون للتصدي لكل من يفتح فمه!.
(الراي 2014-04-20)