المهمة الأخيرة في المصالحة الوطنية
تقترب رحلة البحث عن المصالحة الوطنية على الانتهاء ، ورغم عدم التفاؤل لذا كثير من الأوساط ، إلا أن هناك إصرار من الرئيس محمود عباس "أبو مازن" على طرق الأبواب، للوصول إلى المصالحة الوطنية المتفق على كل بنودها ، في جلسات حوار استمرت عدة سنوات برعاية مصرية كريمة.
وصول وفد المصالحة الذي شكله الرئيس عباس بعد أيام قليلة إلى غزة ، يعتبر الفرصة الأخيرة للمصالحة ، وقطع الطريق أمام الاحتلال المستفيد الأساسي والوحيد من عملية الانقسام ، التي تهدد المشروع الوطني الفلسطيني ، وطموح الشعب الفلسطيني في تجسيد الدولة الفلسطينية على الأرض الفلسطينية ، فضلا على أن اتفاق المصالحة سيعيد الاعتبار لفئات شعبنا ، وينهي حالة الإحباط والمجهول الذي يكتنف الكثير من الفئات في غزة ، وخاصة الشباب ، الذين يجدون أنفسهم بلا مستقبل في ظل الانقسام والحصار، وارتفاع البطالة الى مستويات لا يمكن تصورها ، والذين أصبحوا فريسة سهلة للجريمة والانحراف ، التي شاهدنا منها الغريب وغير المألوف عن المجتمع الغزي.
اليوم نحن أمام لحظة الحقيقية للخروج من تيه الانقسام ، والذي فقدنا فيه الكثير من مقوماتنا الأساسية التي كان يتسم بها شعبنا ، وخاصة التكافل الوطني والتوحد في مواجهة التحديات ، إلا أن هناك فئة من أصحاب المصالح الخاصة ، والتي لا تتصور أن يشاركها احد في سلطة فرضتها بقوة السلاح ، وتحاول أن تبعدنا بكل السبل عن الهدف الحقيقي للوحدة ، من خلال الدخول في حوار "بيزنطي" قديم متجدد ، واسطوانة أصبحت مشروخة وغير مقبول الحديث عنها ، في ظل المتغيرات الخطيرة التي تشهدها المنطقة ، والتي يستفيد منها الاحتلال في إزاحة الاهتمام بالقضية الفلسطينية ، لينفذ مخططاته التهويدية في الأرض الفلسطينية ، والتي أصبح يعلن عنها ، ويضعها شروط في المفاوضات ، فيما تكمل عصابات المستوطنين المخطط على الأرض ، بالاستيلاء على الأرض ومحاولة استفزاز الفلسطينيين والمسلمين بالاقتحام المتكرر للمسجد الأقصى المبارك ، وإيجاد واقع جديد به يهدد بتقسيمه في المكان والزمان ، على غرار المسجد الإبراهيمي الشريف في خليل الرحمن.
فالقيادة الفلسطينية التي فرض عليها أن تقاتل دبلوماسيا في عدة جبهات ، دوليا وعربيا لضمان مكونات صمود شعبنا في ظل الحصار والتهديدات الإسرائيلية ، وفي المفاوضات التي توشك على الانتهاء ، بعد تسعة اشهر من المفاوضات العقيمة ، وتأكد العالم من تملص ورفض حكومة "نتنياهو" شروط واستحقاقات السلام ، واستطاع الرئيس عباس سياسيا ودبلوماسيا ، أن يضع حكومة الاحتلال والإدارة الأمريكية في الزاوية ، التي ظهرت عاجزة عن ممارسة دور الوسيط النزيهة في المفاوضات ، أمام التطرف والصلف الإسرائيلي الذي يتراجع عما اتفق عليه ، ويضع شروط لا يمكن القبول بها .
وأمام هذا الواقع الصعب ، وهذه المرحلة الحرجة التي تمر بها القضية الفلسطينية ، والذي قوبل بخطوات من القيادة الفلسطينية إدراكا لخطر هذه المرحلة ، بإنهاء ملف الانقسام ، بالتنفيذ الفوري لما تم الاتفاق والتوقيع عليه في العاصمتين المصرية والقطرية ، لأننا لا نستطيع الخوض في قضايا تم الحوار حولها بالتفصيل ، على مدار أربع سنوات من الحوار الوطني الشامل ، وفتح حوار جديد يعني ببساطة إطلاق رصاصة الرحمة على المصالحة الوطنية الشاملة ، فما اتفق عليه في القاهرة وأعلن عنه بالدوحة ، هو أفضل الممكن بإعادة الأمانة إلى الشعب الفلسطيني لاختيار قيادته في انتخابات عامة وشاملة لكل مكونات الحالة الفلسطينية ، وبالتالي على كل الفصائل المكونات الفلسطينية احترام إرادة الشعب الفلسطيني.
لحظة طي الانقسام والوصول إلى المصالحة الوطنية اقتربت ، وأصحاب الانقسام يريدون أن يبعدونا عن الوصول لهذا الهدف ، حفاظا على مكتسباتهم وإنجازاتهم الذاتية الخاصة ، غير مدركين بالخطر الذي يهدد قضيتنا العادلة ، وأصبح من مطلوبا من كل فئات شعبنا بكل توجهاتها المخلصة ، أن تتحرك نصرة لوحدتنا للحفاظ على كرامتنا وهويتنا الوطنية.
فالخطوات التي اتخذتها القيادة الفلسطينية على صعيد المصالحة ، سواء بإرسال وفد المصالحة إلى غزة للإعلان عن بدء تنفيذ اتفاق المصالحة ، والدعوة لانعقاد المجلس المركزي ، يحتاج إلى قوى ضغط شعبية تستطيع أن توفر الدعم المطلوب لكل المخلصين من أبناء شعبنا ، حتى لا تضيع الفرصة الأخيرة من رحلة البحث عن المصالحة الوطنية ، فهي بالفعل الفرصة الأخيرة ، وان ضاعت هذه الفرصة لا سمح الله ، ستوقع صدمة كبيرة في صفوف الشعب الفلسطيني ، ويمكن القول أن فلسطين بعد زيارة وفد المصالحة إلى غزة ، لن تكون كما كانت قبلها.