الشعوب : من الهجوم إلى الدفاع...!

تم نشره الثلاثاء 29 نيسان / أبريل 2014 12:39 صباحاً
الشعوب : من الهجوم إلى الدفاع...!
حسين الرواشدة

في السنوات الثلاث المنصرفة كانت الشعوب العربية في مرحلة ( الهجوم) بينما كانت أنظمة الحكم و الحكومات ( تدافع) عن وجودها ،الآن انقلب المشهد تماما، فقد انسحبت الشعوب من الهجوم الى الدفاع ، وخرجت الانظمة من ( خنادقها) لتشهر انتصارها في الجولة الاولى.

معادلة ( التحول) هذه كانت واضحة في مصر وسوريا : في مصر أجهز العسكر على الشرعية - بغطاء شعبي- ووجد المجتمع نفسه أمام ( ثورة) جديدة مضادة لكنها ثورة ضد ( الارهاب) و ليست ضد الاستبداد ، وفي سوريا تمكن النظام من ( خلط ) الأوراق ، وقلب الطاولة على( الثورة) و حلفائها، ثم استطاع - بغطاء دولي واقليمي- أن يخرج من ( فخ ) السقوط الى صناديق الانتخابات لكي ينتزع شرعية جديدة.

أصداء الحدثين وجدت في صورة ( ليبيا) ما بعد الثورة دليلا آخر على فشل الشعوب في الانتقال من الثورة الى الدولة ، وألهمت المتربصين بمطالب الناس و حقوقهم ما افتقدوه من شجاعة وصمود لمواجهة المارد الشعبي الذي استيقظ فجأة، وهكذا أصبح من السهل على الحكومات أن تتحدث من فوق برج ( الأمن) لتعيد المحتجين من الشوارع الى البيوت ، و لكي تقنعهم - اذا لزم الأمر- بأن الطريق الى الحرية يمر بالفوضى ،وبأن القبول و الرضى بالواقع أفضل من ( الأحلام) التي تقود الى الخراب.

أمام الوقائع البشعة و التجارب البائسة انكسر حلم الانسان العربي في ( التغيير)، لم تكن - بالطبع- الثورات هي المسؤولة عما حدث ،لكنها كشفت المستور ، فالمجتمعات العربية التي رضخت عقودا طويلة لسلطة الاحتلال الوطني وجدت نفسها عاجزة عن تقديم البديل ، وعاجزة ايضا عن مواجهة ألآعيب السياسة التي لم تتمرن على ممارستها بعد أن حرمت منها ، كما وجدت ( ارادتها) معلقة على أعمدة ( القوة) التي خيرتها بين الماضي حيث أوهام الأمن و الاستقرار و بين المستقبل حيث ( عفاريت) الإرهاب جاهزة للانقضاض على الجميع .

مع غياب ( النخب) الحقيقية التي يمكن أن تقوم بدور ( المرشد) ، ومع سطوة الاعلام الذي انحاز ( للسلطة) و اسكت الضمير العام داخله ، اضطرت الشعوب للانسحاب من الميدان ، واكتفت بما سجلته من أهداف ،و بالتالي انتهت المباراة - كما اراد الحكم تماما- الى فوز الماضي بكل ما يحمله في الذاكرة ( الجماهرية) من عسف وظلم و استعلاء ،وقلة خبرة ،على الحاضر و المستقبل ، على الرغم مما فيهما من وقائع و احلام و امنيات ، أما جمهور المتفرجين فقد التزم ( الحياد) و ظل جالسا على مقاعده حائرا ومذهولا ايضا .

في الدول التي هبت عليها رياح ( الاصلاح) لم يكن المشهد أفضل حالا، فقد طويت تماما صفحة ( المباريات) الودية من سجلات المونديال ، وقرر الفريقان الانسحاب من الملعب ، احدهما قرر ذلك بعد أن أدرك أن ما حققه من انجازات يكفي ويزيد ، والآخر أنصاع للواقع و رضي بالنتيجة حتى لو كانت في غير مصلحته.

على برج ( المراقبة) ثمة من يعتقد أن مسألة الانتقال من الهجوم الى الدفاع ، أو العكس ، مسألة وقت ، وهي ايضا محاولة للتبسيط و الاختزال ، فما حدث في السنوات الثلاث الماضية هو جزء من المشهد أو مقدمة لها ما بعدها ، صحيح ان الشعوب سجلت في الجولة الاولى عددا من الاهداف كما ان بعض الانظمة استدركت صفارة الحكم فسجلت في الشوط الثاني اهدافا اخرى ، لكن الصحيح ايضا ان مثل هذه الجولات ليست اكثر من عروض في ( بازار) واسع وعميق ، تزدحم فيه التناقضات و الرغبات و الاحداث ، وتنقلب فيه الاسعار بين لحظة و اخرى ،وبالتالي فإن ما حدث لم يحسم بعد ... لا من هذا الطرف و لا من ذاك ، كما ان ما تراكم داخل الانسان العربي من وعي وما انكشف أمامه من حقائق ، لن تسمح له ان يغطي رأسه مرة أخرى ... حتى وان انحنى للعاصفة في هذه المرحلة .

يمكن اخضاع الشعوب لسنوات او عقود ، كما يمكن الاطمئنان الى صمتها و هدوئها و قبولها بالواقع ، لكن لا يمكن اسقاطها أو اجتثاثها ، فيما على العكس من ذلك ، سقط نظام مبارك في (18) يوما ، وقبله نظام زين العابدين في نحو شهر ، وحتى لو استطاع النظام السوري ان يصمد عامين، وربما عشرة ، فإن مصيره الى الزوال ، لكن يبقى بيد من يريد أن يبقى و يستمر مفتاح واحد و هو ( العدل) هذا الذي يحمي الجميع من السقوط والصراع و الغضب، و يحسم المباريات دائما بصفارة التعادل حيث لا غالب و لا مغلوب .

(الدستور 2014-04-29)

 



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات