معركة الاصطفاف المغلوط

تم نشره الإثنين 12 أيّار / مايو 2014 12:36 صباحاً
معركة الاصطفاف المغلوط
د.رحيل محمد غرايبة

تخوض الأمة منذ سنوات معارك داخلية مدمّرة قائمة على اصطفاف مغلوط تغذيها جهات داخلية وخارجية، وكانت الأجيال المتتابعة وقوداً لهذه المعارك على كل المستويات وفي أغلب المجالات، وتتخذ ألواناً وأشكالاً متعددة ومختلفة، بعضها سياسي وبعضها فكري، وبعضها عرقي وبعضها ديني ومذهبي، وبعضها مناطقي وجهوي، ولكل لون سدنة ومقاولون ومنظرون، ونخب وأصحاب مصالح، والأمة العربية هي الخاسر الأكبر.

تختلف المعارك باختلاف كل قطر وما يحويه من أسباب وبذور للاختلاف الذي يصلح للاستنبات واستثارة كوامن التعصب المفضي للاقتتال وتقديم التضحيات وإسالة الدماء.

ففي العراق صراع ديني مذهبي، وعرقي قومي، ذهب ضحيته آلاف العراقيين وما زالت طاحونة القتل تدور، وليس هناك في الأفق ما يدل على قرب انتهاء الغمة والنجاة من هذا الاصطفاف المغلوط الذي أضعف الدولة، وفرق الشعب العراقي، وأعدم أثرها في الإقليم.

في اليمن صراع جهوي جنوبي شمالي، وصراع مذهبي يتزايد ويستعر ويهدد وحدة الأمة واستقرارها وقوتها، ويسير بالدولة نحو التفكك والضعف، رغم كل محاولات رأب الصدع، ورغم كل الجهود المبذولة على صعيد ترميم الانقسام الذي يحمل بعض المبررات التي تجد قبولاً لدى كثير من شرائح الشعب اليمني ومكوناته.

في السودان صراع بين الجنوب والشمال، وصراع ديني، وصراع عرقي وصراع اسلامي علماني، يتخذ أشكالاً متعددة، أسفر عن تقسيم السودان وإدامة الصراع الذي أنهك الاقتصاد السوداني وعطّل تقدم الدولة على صعيد الانتاج القومي، والاستقرار السياسي.

في سوريا صراع دموي يتخذ كل أشكال الاصطفاف المغلوط التي عرفتها الساحة العربية، حيث ما زال يتعمق ويأخذ أطراً سياسية ودينية ومذهبية، ويأخذ أبعاداً إقليمية ودولية معروفة، تزيد من أمد الصراع وترفع وتيرة الثأر ويعمق الانقسام، ولو أردنا أن نتبع الصراع العربي العربي، لوجدنا في كل قطر اصطفافاً مصطنعاً، يبدد طاقات الأمة ويهدد وحدتها، ويستجيب لهذه المواجهة قوى سياسية ونخب فكرية وتيارات دينية، ومستويات عليا من رجالات وقادة أحزاب وأصحاب شهادات عليا ودنيا.

أسوق هذه القراءة في سياق المؤتمرات الكثيرة التي مازالت تعقد هنا وهناك لاستجلاء الخلاف بين أصحاب الخطاب السياسي الديني والخطاب العلماني، وفي ظل السجال الذي زاد منسوبه مؤخراً عقب التغيرات التي طرأت على بعض الأقطار العربية، التي تؤكد أننا جميعاً ما زلنا أسرى لصراع مفروض علينا، ويتم تغذيته وتمويله، من أجل زيادة أمد الصراع الداخلي في المجتمعات العربية، من أجل مزيد من الإضعاف، وإحداث مزيد من الشرذمة والانقسام.

المهمة الكبرى أمام أصحاب الفكر، وأمام حملة الهم الوطني من كل الأفكار ومن كل الاتجاهات أن يعملوا على إرساء ثقافة جديدة، وبناء بيئة عربية فكرية تصلح لاستنبات طرق جديدة في التفكير وتبتكر أنماطاً جديدة في التعامل مع المشهد السياسي العربي، من أجل استحداث أساليب جديدة للتخلص من معركة التطاحن الداخلي، وتغيير خريطة الاصطفافات المغلوطة، وأن نسهم في اسعاف الأجيال لتخطي مربعات التنافس الأيدلوجي إلى مربع التنافس البرامجي.

من يريد الوصول إلى السلطة يجب أن يتكىء على روافع برامجية تقنع الجمهور، بقدرة البديل على حل مشاكل المجتمع، ويجب عدم الارتكاز على روافع عاطفية وجدانية وعدم الاتكاء على روافع التعصب لدين أو مذهب أو جهة أو عرق، لأن ذلك لا يشكل خطوة نحو التقدم والازدهار.

حالة المجتمع المتقدم تفرز خطاباً متقدماً، وتفرز حالات متحضرة سواء كانوا من حملة الفكرة الإسلامية أو العلمانية أو الليبرالية، وعندما يكون المجتمع موسوماً بالتخلف سوف يؤدي حتماً إلى حالة تخلف عامة تثمر في كل الخطابات التي تعتمر في المجتمع سواء كانت دينية أو قومية أو علمانية.

ومن هنا نحن نحتاج إلى إنشاء حركة اصطفافات جديدة تقوم على جمع كل طلاب الحرية والتقدم والديمقراطية والازدهار مقابل صف التخلف والاستبداد والفساد، بغض النظر عن الثوب الذي يلبس أو الشعار الذي يرفع، أو الواجهة التي يتم الانضواء تحتها.

(الدستور 2014-05-12)

 



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات