من شرق السويس ومن غرب العراق

تم نشره الإثنين 12 أيّار / مايو 2014 01:15 صباحاً
من شرق السويس ومن غرب العراق
سمير عطا الله


أكثريتكم شباب ولا يذكر تلك المرحلة. نحن شهدناها قرّاء ومواطنين وعاملين في الصحافة اليومية. أقصد أوائل الستينات، وكيف تغير العالم غداة السويس عاما بعد آخر. إن أوجه الشبه بما يحدث اليوم تكاد تكون مفزعة في تطابقها. وأرجو ألا أكون مبالغا بسبب الرغبة في المقارنة. أرجو.

بعد السويس، خرجت بريطانيا من مصر مهزومة سياسيا ومعنويا واقتصاديا. وبدأت شيئا فشيئا تخفض التزاماتها الإمبراطورية: من غانا إلى قواعدها العسكرية في ألمانيا الغربية. ثم بدأت بالانسحاب والانكفاء، معلنة برنامجا محددا للخروج مما سمَّته شرق السويس وغرب السويس. ومقابل تراجع الدول الأوروبية الكبرى، بدأ الاتحاد السوفياتي يمدد نفوذه حيثما استطاع.

الذين في جيلي لا مفر أمامهم من معالم الشبه: أميركا تنسحب وتتراجع وتفقد الكثير من طاقاتها الاقتصادية والعسكرية والمعنوية بعد الخروج من العراق، والتخلي عن ليبيا، والانكفاء في سوريا، والتخوف في أوروبا. وفي المقابل، روسيا تندفع وترفع من درجة المواجهة في الشرق الأوسط وأوروبا.

كل مكان تتلكأ فيه أميركا، تندفع نحوه روسيا. أوباما يخطب عن برنامجه الصحي، وبوتين يطير إلى القرم «المستعاد». أوباما يلقي في نادي الصحافة خطابا محشوا بالنكات، وبوتين يصمت وراء عبوس ليونيد بريجنيف.

وأوروبا خائفة. خُيل لها أن واشنطن في مقعد القيادة في المواجهة، فإذا بها متربعة تنقِّب في أرشيف العقوبات. واليابان خائفة لأن الصين قادمة عبر الجزر، فيما حليفتها الأميركية تتظاهر بعوارض الشيخوخة من سمعيات وبصريات.

مرة أخرى يغيِّر الشرق العربي في حظوظ دولة غربية كبرى. طوال 50 عاما كانت أميركا هي اللاعب الأول، في العلن وفي الخفاء، الآن موسكو هي التي تلغي جنيف، وهي التي تحمي نظام الأسد، وهي التي تقيم حلفا مع إيران، وبوتين هو الذي يعلن من الكرملين، المشير السيسي «رئيسا مقبلا» في مصر.

على الرغم من مجموعة فوارق في الشخصية والسيرة، يشبه باراك أوباما اليوم هارولد ماكميلان 1962: رجل اعتذاري يطلب من حلفائه أن يتفهموا ظروفه، فيما هم يبلغونه أن ظروفهم لا تحتمل التأمل والتمهل. بعد الخروج من «شرق السويس» في العالم العربي بدأت رحلة انحسار نهاية. ويبدو انكفاء أوباما اليوم بلا توقف. الاتحاد السوفياتي الذي أسقطه رونالد ريغان وهو ينكِّت، صار الاتحاد الروسي، فيما أوباما يحشو خطابه بالنكات. مزاج العالم ليس ضاحكا.

(المصدر:الشرق الاوسط 2014-05-12 )

 



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات