أحزاب ملونة و أحزاب خضراء
يغيب عن المشهد الحزبي في الأردن لون سياسي معين , تُفترض أهمية وجوده حاجة الأردن لمثل هذا اللون السياسي المفقود , الذي لطالما أثار غيابه إستغراب الأصدقاء و المعنيين , حيث بات يُقرأ و يُفسر ذلك المشهد الحزبي غير المكتمل على انه مشهد تقليدي , لا يراعي التنوع السياسي و ضرورته و إنفتاحه .
عند الحديث عن الأحزاب ذات السياسة الخضراء غير التقليدية , يكفي الوقوف عند الإنجاز الذي حققه الخضر الألمان خلال منتصف ثمانينات القرن الماضي بتحويل نهر الراين من نهر مليء بالملوثات الكيماوية من مخلفات المصانع الى نهر نظيف و غير ملوث و قد بدا و كانه صالح للشرب , لمعرفة اهمية وجود مثل هذا اللون السياسي المفقود في مشهدنا الحزبي.
و لنا أن نقف مطوّلاً و مفصّلاً , عند ما يمكن أن تحققه الأحزاب الخضراء في الأردن, فيما لو تم إستنساخ و إقتباس تجارب الخضر العالمية , خصوصاً و نحن نتحدث عن بلد و قد تخطىء الخط الأحمر في التدهور البيئي منذ عقدين من الزمن و بات في وضع لا يُحسد عليه إطلاقاً .
الأحزاب الخضراء صديقة للإنسان و للبيئة و قريبة جداً من فكريهما , و العلاقة بينهما أكبر بكثير من تحدي الأيكولوجيا و نصرة العدالة الإجتماعية أو تجذير الممارسات الديمقراطية و الدعوة إلى التسامح و إحترام التنوع , او للمحافظة على ما تبقى من مصادر و موارد بيئية للأجيال اللاحقة .
و أيضاً , فالعلاقة ليست مجرد إكمال لتنوع المشهد الحزبي و السياسي , أو لتسجيل مواقف سياسية معينة أو بناء تحالفات سياسية .
و إنما هي علاج مستدام للتحديات و المخاطر التي يتعرض لها الأردن بيئياً و إجتماعياً و إقتصادياُ , عندما تدعو إلى تبني سياسة حفظ التوازن بين مصالح الدولة و حقوق المواطنين .
و هي درهم توعية بدعوتها إلى توعية بيئية مبكرة و إتخاذ سياسة حكيمة و عاجلة و طويلة الأمد .
و هي نموذج يحتذى به لتعاملها و تطبيقها النموذجي لمبادىء الحكم الرشيد .
و رغم ذلك , فإن السبب في تأخر ولادة هذا اللون السياسي في الأردن , مرده إلى عدم وجود قيادات حزبية فكرية يجمعها إيمان مشترك حول مبادىء هذا المذهب السياسي الجديد كلياً , و هذا ما لم يمكّن بعض المحاولات الفردية لمرتين متتاليتين من إنشاءه .
ظروف الوضع الحالي للنشطاء و الجميعيات البيئية المشتتة و المبعثرة في الأردن , شبيه إلى درجة كبيرة جداً بتلك الظروف التي نشأ من خلالها إتحاد الـ 90 ( الخضر الألماني ) عام 1982 , و إن كنا نفتقد في الوقت الحالي لمفكرين أمثال بترا كيلي .
فعندما إستشعر النشطاء و الجمعيات البيئية في ألمانيا الأثار السلبية التي يخلفها النمو الصناعي من استهلاك شره للموارد الطبيعية و فرز للمخلفات الصناعية التي تؤثر على البيئة و صحة الإنسان , إستجمعوا تشتتهم و أفكارهم ضمن إتحاد , سُمي لاحقاً بـ إتحاد الـ 90 و هو ما نسميه نحن بحزب الخضر الألماني .
فالظروف مناسبة و متشابهة لدينا في الأردن من تبعثر لجهود النشطاء و الجمعيات و وجود الحاجة الماسة لهذا النوع من السياسية الخضراء نتيجة التحديات الخطيرة التي تواجه الأردن .
نحن نحتاج بالفعل إلى سياسة حزبية خضراء , سواء أطلق عليها إسم إتحاد الـ90 أم غير ذلك من مسميات . في بلد كان يُفترض به أن يرحب بحرارة بإنشاء العديد منها , لا أن يُغلق الأبواب أمام نشوئها للأسف و هو يتأخر عن اللحاق بركب الخضر العالمي لأكثر من ثلاث عقود .