ثقافتا السلام والهزيمة !

تم نشره الإثنين 19 أيّار / مايو 2014 12:06 صباحاً
ثقافتا السلام والهزيمة !
خيري منصور

جرى خلال العقود الأربعة الماضية خلط بين ثقافتين، لكل واحدة منهما أدبياتها وتجلياتها في التعبير والإبداع، لهذا لا بد من فك الاشتباك بين هاتين الثقافتين.
ثقافة السلام تنطلق من الشعور بالندية وأحياناً من العفو عند المقدرة، فهي إذ تستلهم كتباً سماوية وفلسفات أرضية لا تحتاج إلى إفراط في التبرير بعكس ثقافة الهزيمة، التي يتم تجرعها على مضض، وبها من الاحتقان ما يحجب عدة حقائق في داخلها.
وكان ابن خلدون أول من كتب بشكل جدي ومنهجي عن ثقافة المهزومين، فهم إضافة إلى انكسار الإرادة والتأقلم مع الأمر الواقع يبهرهم العدو الذي ألحق بهم الهزيمة أو عدة هزائم متعاقبة فيأخذون في محاكاته وتقليد كل ما يصدر عنه، ولا يدركون بأنهم ينتحرون معنوياً لأن هويتهم بمرور الوقت تتلاشى وتذوب في هوية الغالب.
ثقافة السلام أنتجت نصوصاً أدبية خالدة كتبها رجال ونساء تذوقوا مرارات الحروب لكنهم لم يشعروا بالانكسار، وما تفرزه ثقافة السلام المتكافئ هو حالات نفسية سوية، فالعافية القومية لا تعاني من أي نزيف سري أو علني، أما ثقافة الهزيمة فافرازاتها سامة، وتصيب ضحاياها بسلسلة من الفوبيات التي تبطل بمرور الوقت فاعليتهم، إضافة إلى افقار الثقة بالنفس، وبالتالي ازدراؤها، فالمهزوم الذي تأقلم مع حالته يفقد صلاحيته كإنسان في المبادرة أو في أي تنافس لأن إدمانه الانكسار يخلق لديه شذوذاً أو التلذذ بالألم.
وإذا كانت ثقافة السلام تنتج النقد الذاتي وفلسفة الاستدراك، فإن ثقافة الهزيمة تنتج هجاء الذات وتقريعها والسخرية منها.

ونذكر للمثال فقط ما أعقب هزيمة حزيران عام 1967 من سخرية تصل حد الشماتة بالنفس، حتى النكتة السياسية التي شاعت في تلك الآونة كانت من النوع الذي يبكي ولا يضحك.
وقد يكون الإعلام العربي قد اضطر في فترة ما لخلق هذا الالتباس حفاظاً على ماء الوجه، لكن التكتيكي أحياناً يصبح استراتيجياً ونحن آخر من يعلم. والسلام ليس قناعاً للانكسار أو حيلة بلاغية لإخفاء الحقيقة، فأدبياته معروفة وما يسود فيه من الإحساس بالتكافؤ لا يترك جراحاً في الوجدان أو الهوية.
وحين تربى ثلاثة أجيال على هذا الخلط بين ثقافتين متناقضتين فإن الخلل سيكون بنيوياً وعميقاً ويطال كل خيوط النسيج الاجتماعي.
لم يفت الأوان على فك الاشتباك بين هاتين الثقافتين، لكن المبادرة تحتاج إلى شجاعة وتناغم مع النفس وليس إلى ما يسمى الرقص في العتمة أو على السلالم!

( الدستور 2014-05-19 )



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات