العودة إلى الجذور

تم نشره الأحد 08 حزيران / يونيو 2014 12:47 صباحاً
العودة إلى الجذور
د. رحيل محمد غرايبة

عندما يشتد الخلاف في أي مجتمع صغير أو كبير، ويتطور إلى مستوى الفتنة الذي تقل فيه درجات الاستماع والإصغاء الجيد، وينعدم التفاهم، يتم اللجوء إلى تشويه الآخر وشيطنته، كما يتم الذهاب إلى أسلوب الإقصاء والنفي، حيث تنعدم فرص التعايش وتنعدم فرص اللقاء المشترك بحدوده الدنيا، خاصة عندما تصل الأمور إلى الاتهام بالخيانة والعمالة، والتشكيك بالنوايا، والطعن بالشخصية، وإصدار الحكم الجاهز بتنفيذ أجندات خارجية!! حيث يؤدي ذلك إلى معارك التصفية وكسر العظم، كما نرى ونشاهد ونحس على جميع الأصعدة، والمستويات المحلية والإقليمية.
الوصول إلى هذا المستوى الخطير الذي يؤدي إلى الأفق المغلق، والجدار المسدود، يُحتّم على جميع الأطراف المختلفة العودة إلى الجذور، والعودة إلى القواعد العامة والمبادىء الكبيرة التي تحظى بالتوافق العام، والعودة إلى الجوامع الكبرى التي تضم جميع المختلفين مهما تباينت أفكارهم وتباعدت مناهجهم واختلفت أساليبهم ووسائلهم.
المشتغلون في الإطار الإسلامي يملكون فرصاً أكثر اتساعاً للتوافق من خلال العودة إلى قواعد الإسلام العامة التي لا تحمل خلافاً، والتي تحظى بإجماع العقل الفقهي على مدار التاريخ، وعلى مر العصور والأزمان، وفي هذا الصدد يجدر التنبيه إلى بعض الاستخدامات غير الصحيحة لبعض القضايا الهامة التي ينبغي إعادة التذكير بالفهم السليم لها على وجه الضرورة، ومن أهمها :-
مصطلح «الجماعة» الذي ورد في بعض الأحاديث النبوية وتم استخدامه في كتب العلماء والفقهاء مثل: ((المفارق لدينه، التارك للجماعة)) ومن شذ عن الجماعة شذ في النار وغير ذلك، يقصد «بالجماعة» هنا المجتمع الإسلامي الكبير، ولا يقصد به جماعة إسلامية معينة أو تنظيم إسلامي محدد، في أي وقت أو أي مرحلة من مراحل التاريخ، ولا يجوز أن يصرف هذا المصطلح وما يتضمن من معاني وأحكام، إلى أي جماعة إسلامية مهما كان خطها من الاستقامة ونصيبها من الصواب، ولا يجوز تركيب الأحكام التي رتبها الحديث النبوي على أشكال الخلاف الحادث في الجماعات والتنظيمات الإسلامية والحزبية السياسية، وما يحدث فيها من تباينات في الاجتهادات والرؤى، أو على ما يحدث في صفوف قياداتها من اختلافات شخصية.
المسألة الأخرى المتفرعة عن المسألة السابقة :- أنه لا يجوز بأي حال من الأحوال قياس أمير التنظيم ومسؤول الجماعة الإسلامية الخاص، على أمير المؤمنين وخليفة الأمة ورئيس الدولة، فهذا القياس يحمل إنحرافات فكرية خطيرة، وآثار عقدية وفكرية مشوّهة تستحق المعالجة والتوضيح بشكل عاجل من علماء الأمة ومفكريها، إذْ إن الجماعة الإسلامية، أو «التنظيم الإسلامي» لا يجوز أن يكون بديلاً للمجتمع والدولة، ولا يجوز أن ينظر اليه بهذه النظرة ولا يجوز سوق الأحاديث النبوية على هذا المسار الضيّق الخطير ويتم صرف أحكام السمع والطاعة والبيعة، التي وردت في أحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم في هذا المجال (من أطاع أميري فقد أطاعني، ومن أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصى أميري فقد عصاني، ومن عصاني فقد عصا الله) على أمراء التنظيم والجماعات والأحزاب السياسية، فهذا يمثل انحرافاً عقدياً وفقهياً خطيراً، يستخدمه المختلفون سلاحاً في وجه مخالفيهم في الآراء والاجتهادات السياسية على مستوى حزبي وتنظيمي ضيق، ينتج كل معاني التفسيق والتشويه والشيطنة الممزوجة بهذا المنهج الفقهي الانطباعي المغلوط والخطير.
الأحزاب والجماعات الإسلامية هم مجموعات تطوعية اجتمعت على نشر الأخلاق والفضائل الإسلامية، وتدعو إلى التمسك بالمفاهيم الصحيحة، وتدعو إلى نشر الخير ومحاربة الفساد في كل مفاصل المجتمع والدولة، وتبني طريق الإصلاح وفقاً للمنهج القرآني، وكل من اشترك في هذا الجهد فله الأجر ويستحق الشكر، ولا يجوز إصدار الأحكام الفقهية والعقدية المشتقة من هذه الأحاديث، على من يخالفهم الرأي والاجتهاد والأسلوب والوسيلة وطريقة العمل التنظيمية والحزبية، والممارسة السياسية.

(الدستور 2014-06-08)

 



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات