فن المستحيل

تم نشره الجمعة 13 حزيران / يونيو 2014 01:06 صباحاً
فن المستحيل
سمير عطا الله

قال ميكيافيللي «إن السياسة فن الممكن». وردد العالم هذا القول لأنه، كما ترى، قول مريح يحررك من تعب المسؤولية وتكرار المحاولة. وقد تبين لنا من يوميات الزمن الذي لا يكف عن تدوين مفكرته في كل مكان، أن السياسة بالأحرى هي فن المستحيل. فأين هو الإنجاز في محاولة الممكن ما دام متاحا للجميع. إن التاريخ لا يذكر في الحقيقة إلا أولئك الذين حققوا ما بدا للجميع مستحيلا. كمثل المصالحة الألمانية الفرنسية بين شارل ديغول وكونراد أيدنهاور، التي أنهت نحو سبعة قرون من الحروب والقتل والاحتلالات والقهر. لم يؤد سلم العجوزين أوائل الستينات فقط إلى اللقاء المستحيل بين الراين والسين، وإنما أدى إلى انفتاح جميع أبواب أوروبا وسقوط جميع حدودها ومحو تذكاراتها المريرة.

العلاقة البريطانية الفرنسية كانت تبدو أيضا شيئا مستحيلا. والتحالف الياباني الأميركي كان يبدو بعد هيروشيما جريمة من الجرائم. في مثل هذا الشهر قبل مائة عام، كان العالم برمته يبدو خريطة من الخراب والدمار والأحقاد وبراكين القوميات وشلالات الثأر الدموي. كل دولة تلبي نداء الحرب على عجل وتدفع رجالها نحو الجبهات المتفشية في كل مكان، وقد مهدت الحرب العالمية الأولى لحرب عالمية ثانية، وتحول الكوكب في الحربين إلى سباق همجي بين آلات التدمير والقتل والإبادة، في الجو وعلى الأرض. وما كان طائرات شبه خشبية في الحرب الأولى، أصبح طائرات تحمل القنابل الذرية في الحرب الثانية. وبعد ما تسابق البشر في إفناء بعضهم البعض، جلسوا حول طاولة واحدة وعقدوا السلم وهم يتربعون فوق ملايين الجثث ورماد المدن وغبار الأرواح.

لا شك، لحظة واحدة، أن شجعان السلم كانوا أكثر فروسية ونبلا من شجاعات التدمير والانتحار. العالم العربي، في حاجة إلى شجعان الرفعة وأكابر الهدوء وحراس المستقبل. العالم الإسلامي مليء ببطولات الحرب وهزائمها، وقد آن له أن يمنح المسلمين دار السلام الحقيقية، وأن يوفر عليهم المزيد من بحيرات الدم وخضاب الأنهر. ليس الأمر صعبا فحسب، بل هو مستحيل أيضا. وقد تصدى له كثيرون من ذوي النيات الحسنة وانتهوا إلى الفشل، وأحيانا إلى النكران. لكن المستحيل ليس اليأس. والنيات الحسنة لا بد أن تغلب ذات يوم على روح الثأر وتوالد الانتقامات وانسداد الصدور الضيقة وتلبيد الآفاق بالغيوم السوداء، التي لا تمطر إلا غضبا ورمادا.

(الشرق الاوسط 2014-06-13 )



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات