تأثيرات الحركة الفنية العراقية على نظيرتها الأردنية .. اشكالية العنوان

المدينة نيوز - ندوة تأثيرات الحركة الفنية العراقية على الحركة الفنية الأردنية مساء أمس نقضت نفسها بعنوانها؛ فلم تتناول خطاب اللوحة - على إطلاقه، ثم إن التأثيرات التي كان من المفترض رصدها ضاعت في أقل من ساعة، ومست الموضوع من بعيد، واقتصرت على ما ردده الناقد التشكيلي د.مازن عصفور، وهو يؤلف ما استطاع بين التشكيليين الزميل حسين نشوان والعراقي مؤيد البصام، من أن الفنادق الأردنية غصت باللوحات العراقية التجارية رخيصة الثمن فنا وتقنية، التي لا تجاوز مقطعا أحاديا لبغداد القديمة.
قال البصام إن الحركات الفنية لدى العرب ودول العالم الثالث أثرت فيها الحركة الفنية الأوروبية بخاصة والعالمية بعامة، مستبعدا الفنون البدائية والفطرية للشعوب والأفراد البعيدين انتماء مباشرا بالتطورات الحضارية المحيطة، مؤيدا سعي فنانين في دول نامية إلى إيجاد ما يتميزون به أسلوبا ويتأصلون متفردين، واستشهد البسام بالمختار في مصر وجواد سليم في العراق، منطلقا نحو بداية الفن العراقي التي هي ذاتها بداية مثيله الأردني، وشرح البصام عشرينات القرن الماضي ومجموعة الهواة الضباط الذين خدموا في الجيش التركي وتأثروا بمشاهداتهم الفنية في القصور العثمانية أو في الجوار الأوروبي؛ فكانت الطبيعة أساس أعمالهم في مجتمعات متخلفة، لا تحتمل كثيرا الدراسة المنهجية، وبرر البصام الطبيعة بالخوف من الدين مناوئا، معاديا التشخيص الذي مرر رسوم الضباط أو العسكر حسب، وظل البصام يشرح استمرار الحالة حتى بدراسة نفر في المدارس الفرنسية والبريطانية قبل الحرب العالمية الثانية، ثم انتقل إلى ورود الفنانين الهولنديين لاجئي الحرب إلى العراق ولقائهم مجموعة من الشباب في شارع الرشيد ببغداد، مضيفا أن ضالة تقنية وجدها هؤلاء الشباب في تقنية اللون، فتطورت الحركة الفنية العراقية وتصاعدت. ومن ذلك شابه البصام بين هذا التطور ونظيره في الساحة الأردنية؛ مباينا قليلا في أن التأثر على الفن العراقي كان أجنبيا في حين كان عنصرا من المنطقة فكرا وتاريخا بمجموعة العلاقات المتشابكة في الاقتصاد والاجتماع.
واستنتج البصام أن الفنانين الذين درسوا في الكليات الفنية العربية والأوروبية لم يغيروا المتابعة الفنية على مستوى النخبة إلى المجموع؛ فظلت الواقعية باستثناءات معينة، ولم تخرق المفاهيم البصرية عند غالب الجمهور، وانتقل البصام على نهاية السبعينات وبداية الثمانينات في الحرب العراقية الإيرانية تحديدا وهجرة العراقيين الثقافية فاندمجت الرؤية الفنية على الساحتين واكتسبت الخبرات الفكرية والتقنية، فكان أن شجع وجود الفنانين العراقيين إخوانهم الأردنيين على تخطي الحواجز الاجتماعية والثقافية التي كانت تحول دون اتخاذهم موقفا يطيح بالعقلية المتوقفة على زمن بائد. وصارح البصام بأن المؤثر العربي العربية خير وأبقى من المؤثر الأوروبي العربية؛ بوصف التأثير الأوروبي يمنح الفنان تقنية عالية المستوى وفي الوقت ذاته يفقده التميزين: الفكري والثقافي، فيقع في مطب الاستنساخ ومصيدة التقليد. وختم البصام بأن تفاعلا بين البلدين فنا، مع أن البنية المجتمعية تكاد تتطابق، فكان التطور الفني الأردني مفرحا في جيل تخطى المراحل إن لم يكن أحرقها.
وأعرب البصام عن أسفه للتراجع الذي أصاب قسما من الفنانين العراقيين الذين استهلكهم السوق التجاري؛ في وقت هضم فيه الفنانون الأردنيون التجربة، وقدموا إبداعات عززت انطلاقة الحركة الفنية الأردنية ومكانتها بين الحركات الواعدة، مستدركا أن أسفه اليوم لا يعني استفادة الأمس بما قدمته الموجة الأولى من الفنانين العراقيين، صاحبة الخبرة والتقنية والهزة الفنية لصالح الحركة الفنية في الأردن.
الزميل نشوان اختصر ورقته كثيرا؛ معترضا على العنوان، مؤسسا قوله على التشكيل بوصفه حاضنة ثقافية تقترب مفرداته في العراق ومصر والشام وغيرها، منتقلا على الأخذ المشترك للعراقي والشآمي مما يغري به الغرب، ونفى الزميل نشوان أن يكون الحديث عن التأثير والتأثير المضاد سهلا، مدللا بأن تحديد الملامح التشكيلية في الوطن العربي أمر يحتاج وقفة في إطار الهوية. وزاد نشوان إن الفن التشكيلي لم يردنا سلة أو دفعة واحدة، مضيفا أن القادم لم يكن كله على استواء واحد في جودته، وقال إن تشابها في المرجعيات يقلق الندوة؛ فما هو تراثي هنا هو كذلك هناك، وساق نشوان جلجامش وبابل والتنافذات التراثية والاستخدام الذي ليس بالضرورة أن يتشابه عند الكنعاني وجاره العراقي.
وعجب الزميل نشوان من أن تبحث الندوة في التأثير الأقرب إلى المقدار الأكاديمي درسا، وقال إن بحثا للفنان عن لونه وخطه وتطوير تجربته، وشرح مجموعة الهجرات وخص ما بعد التسعينات بحديث طويل.
وأخذت الندوة التي لم يحضرها سوى طالبين أو ثلاثة من كلية الفنون في الجامعة الأردنية، وصحافيين اثنين أو ثلاثة وقليل من أصحاب الاختصاص، تتحايل على ما لم تتطرق إليه الأوراق، وهو الخطاب أو المضمون، بوصف الفن منجزا إبداعيا لا بد يعالج حالة أو يشي بفراغ مجتمعي أو سياسي، وكان السؤال عن مدى توظيف الخطاب السياسي في اللوحة الحاملة منطقيا، وهو ما يقود حتما إلى استقدام الأسطورة أو الرمز في الأدب والفن عموما. من الحاضرين من رحب بالندوة في ظل الإغراق الفني الحاصل، ومنهم من خرج من الندوة يستمع كلاما عاما لم يأت بغير الأسف على حال الفن الذي بات رخيصا يمتح من علاقة الطلب والعرض والسعر وذوق المستهلك المحيد. قال صامت في الندوة: كنت أتمنى حضور فنانين عراقيين وأردنيين فتمتزج الآراء وتثور الأسئلة؛ وألقى الضيف باللائمة على منظم الأمسية، مبينا أن على ندواتنا ألا تحرق مواضيعها، أو تمارس الأستذة من طرف واحد، وقال إن الجمهور الذي هو من أهم أهداف الندوة غاب، ثم إن النقاش كان تصليحات عجلى أو مناكفات راصدة لم تأت إلا بما هو معلوم.