ما يجري من صراعات يهدد المستقبل العربي برمته

تم نشره الجمعة 27 حزيران / يونيو 2014 01:40 صباحاً
ما يجري من صراعات يهدد المستقبل العربي برمته
د. فايز رشيد

المدقق والمراقب لأوضاع ما يجري في العديد من الدول العربية من صراعات وصولاً إلى الاقتتال، يُذهل.. لسرعة التحولات في أشكال الصراعات الدائرة فيها وخلال مدى زمني قصير نسيباً.. فبضعة عقود ليست كافية وفقاً لقواعد المنطق لإحداث كل هذا الكم الهائل من حيث التحولات الجذرية الصراعية النوعية أيضاً من حيث تداعياتها المستقبلية التي لا تطال البلد المعني فقط, وإنما العموم العربي.. الصراعات أصبحت تنخر أيضا في النسيج الشعبي الجماهيري لشعوب الدول المعنية.. حيث تنبئ بالمزيد من التفتيت والتمزيق، بحيث يبدو الحديث عن الفعل الجماعي الجماهيري العربي وكأنه خارج الزمان والمكان.. وكأنه مسألة طوباوية مثالية بعيدة عن الإدراك والواقع..

نقول عن الفعل الجماعي وإيجاد أشكال التنيسق للجامعة لكل الدول العربية لمجابهة الأخطار. نقول: أشكال الفعل الجامع ولا نقول الوحدة العربية حيث تبدو هذه الجملة مستحيلة، وكأنها من ركام ماضٍ سحيق وغريب .. هذا رغم أن ما يفصلنا عما كان عليه الواقع العربي، وعمّا مثلته الوحدة كمطلب جماهيري من المحيط إلى الخليج هو بضعة عقود فقط.. جاءت تقسيمات سايكس بيكو ووعد بلفور والحقبة الاستعمارية لأكثر من دولة عربية بهدف: تغذية النزاعات والصراعات المستقبلية لتزيد من أوار الاختلافات والتناقضات ليس فقط بين الدول وإنما أيضاً بين الجماهير العربية التي تشكل في مجموعها أمة واحدة... جيء بالكيان الصهيوني وتم زرعه عنوة ليقطع الجزء الآسيوي من الوطن العربي عن جزئه الأخر في إفريقيا.

ومن أجل أن تكون إسرائيل مستقبلاً كيانا عدوانيا على المجموع العربي برمته، ولتكون رأس جسر متقدما للمصالح والمشاريع الاستعمارية في المنطقة، ولتشكل خزّانا للعدوان على الأمة العربية ودولها ليس على الوطن الفلسطيني والفلسطينيين فحسب وإنما على المجموع العربي برمته.. ثم كانت الحروب العديدة الصهيونية على أكثر من دولة عربية وفي أزمنة مختلفة.. جاء المشروع الأمريكي-الإسرائيلي المشترك والذي رسمت خيوطه وعقدت مؤتمراته من أجل رسم خريطة جديدة للمنطقة, تكون فيها إسرائيل عاملاً رئيسياً ودولة مهيمنة في الشرق الأوسط.. ثم جاءت التدخلات المباشرة للولايات المتحدة من خلال الاحتلال.. كل ذلك سار جنباً إلى جنب مع تغذية النزاعات المذهبية والطائفية والإثنية في العالم العربي.

عملياً للأسف.. تم الانزلاق إلى هذه النزاعات وبدأت تتراكم بشكل كمي وصولاً إلى أحداث تغيير نوعي في أكثر من بقعة عربية، ذلك يتمثل في تحولها إلى احتراب وصراعات بدأت تتفاقم وصولاً إلى الاقتتال على طريق الحرب الأهلية بين أبناء الوطن الواحد كما يجري الآن في بعض الدول العربية.. بالطبع كل ذلك على حساب التناقض الرئيسي التناحري مع العدو الصهيوني والمشاريع الاستعمارية.. لقد احتل هذا الشعار عقول وجماهير الأمة العربية من المحيط إلى الخليج، وكانت فلسطين الشعار الرئيسي والقضية المركزية للجماهير العربية.. كان تحرير فلسطين في الخميسنيات والستينيات هو الشعار السائد لغالبية الأنظمة العربية.. جاء العدوان الصهيوني عام 1967 ليحتل الجزء المتبقي من فلسطين وأجزاء من دول عربية.. ثم ظهرت الثورة الفلسطينية، وتطورت الأوضاع وتغيرت الظروف وجاءت حرب أكتوبر التي أثبتت كفاءة الجندي العربي ولكن للأسف لم تستكمل هذه الحرب.. ثم جرت جرت اتفاقية كمب ديفيد.

وبدأت المساومات على الهدف الإستراتيجي الفلسطيني في تحرير كامل التراب الوطني الفلسطيني إلى إقامة دولة ليس أكثر من حكم ذاتي هزيل على جزء من الأرض الفلسطينية..هذا بالمفهوم الصهيوني بالطبع وكانتا اتفاقيتا أوسلو ووادي عربة.. بعدها جاءت الحراكات العربية وأدت إلى انشغال شعوب دول هذه الحراكات بقضاياها المطلبية والوطنية الأخرى، وصولاً إلى ما نشهده من صراعات واقتتال في أكثر من دولة عربية.

بالطبع الجماهير العربية حتى في دول الحراك لم تنس يوماً القضية الفلسطينية، وظلت قضيتها المركزية، لكن نتيجة للمساومات الفلسطينية على الثوابت والحقوق الوطنية، ونتيجة لأولوية القضايا والهموم الداخلية فإن هذه القضايا احتلت دائرة اهتمام ليست الأولى إهتمام ليس مثلما كانت عليه سابقا ,هذا بالنسبة للعديدين من أبناء أمتنا العربية، وهذا يمكن اعتباره طبيعياً وموضوعياً.

أيضاً، فإن القوى الوطنية والقومية والدينية واليسارية افتقدت لوحدة المواقف والبرامج المشتركة لما بعد التغيير، إضافة إلى افتقاد الديمقراطية كأسلوب وكنهج عمل بالنسبة لها.. كذلك فإن التنسيق على صعيد الفعل الجماعي الوحدوي العربي لم يصل إلى شكل يتواءم فيه مع طبيعة الأخطار المحيقة بالوطن العربي.. شهدنا انفصالات عن الجسد الأم في واحدة من الدول العربية, وهناك مطالبة جدية بالانقسام والانفصال في بعض الدول العربية.. الصراعات الطائفية والمذهبية زادت.. كل ذلك يهدد الأمن القومي عامة، ويهدد المستقبل العربي برمته فهو -شئنا أم أبينا- يصب في مجرى التفتيت والتمزيق للوطن العربي.

أدنى واجبات الدول العربية هو الوصول إلى برنامج عربي موحد مشترك يساهم في وقف هذه النزاعات والصراعات الطائفية والإثنية التي تنخر العديد من الأقطار العربية، ومطلوب من كافة القوى الشعبية الوطنية والقومية العربية بمختلف اتجاهاتها الوصول إلى برامج عمل مشتركة تتطرق وتعمل من أجل وقف هذا النزيف المؤلم والدامي لأكثر من دولة عربية، وتفعيل برامج تهدف إلى مقاومة الأخطار الحالية والمستقبلية التي تهدف إلى تقسيم الوطن العربي إلى دويلات متقاتلة متنازعة متحاربة.

دون ذلك، فإن الوطن العربي برمته سيعاني مزيداً من الجراح والآلام والصراعات والتجاذبات، التي هي في طريقها لتدمير المستقبل العربي برمته.

( الشرق 27/6/2014 )



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات