إيران إذ تسعى لفرض هيمنتها على المنطقة

تم نشره السبت 28 حزيران / يونيو 2014 12:18 صباحاً
إيران إذ تسعى لفرض هيمنتها على المنطقة
ياسر الزعاترة

بعد أسابيع طويلة من الهجمات المتكررة من أركان التحالف الإيراني على المملكة العربية السعودية، والتي تصاعدت منذ سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام على الموصل، يبدو أننا إزاء تطور مهم آخر في العلاقة بين إيران وتحالفها وبين السعودية، إذ نقل عن رئيس الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية تصريحا يتعلق بالحكم بالإعدام على رجل دين شيعي في السعودية هو الشيخ باقر النمر.
فقد قال اللواء حسن فيروز أبادي ما نصه: “تصلنا أنباء مقلقة للغاية من السعودية”، مضيفا “يبدو بعيدا للغاية بالنسبة لبلد كالسعودية التي تحظى بحكام ذوي نظرة بعيدة، أن يتم إصدار حكم إعدام بحق العالم الشيعي البارز، سماحة الشيخ النمر”.
وأكد بحسب “وكالة فارس” أن هذه الدماء ستفور في قلوب عشرات ملايين الشيعة، وبين مسلمي العالم، وسيكون ثمنها باهظا للغاية على السعودية”، معربا “عن أمله بأن تعيد المحكمة النظر بشكل جذري في هذا الحكم غير العادل والمثير للفرقة”.
من الصعب تجاوز مثل هذا التصريح ببساطة، فهو أولا من القائد العسكري الأهم في إيران، وهو يأتي ثانيا بعد اتهامات لا تحصى من قبل إيران للسعودية بالوقوف وراء تنظيم الدولة، ودعم ما جرى في العراق.
لولا أن رسالة مهمة قد أريد توصيلها للسعودية من خلال هذا التصريح، لما تكفل به قائد الجيش، ولترك الأمر لخطيب جمعة طهران مثلا، أو سياسي من الدرجة الثانية، أو لمرجع ديني، لكن الأمر هنا مختلف إلى حد كبير. ولا يغير في حقيقة التهديد ما ذكر في طياته عن حكام المملكة ذوي النظرة البعيدة.
يشير التصريح إياه، ومجمل الاتهامات التي ترددت خلال الشهور الأخيرة إلى حجم التصعيد بين البلدين من جهة، لكنه يشير من زاوية أخرى أكثر أهمية إلى حجم النزق الإيراني الناجم عن المأزق الذي يعيشه قادتها في سوريا والعراق، وصولا إلى لبنان وعموم المنطقة، ذلك أن من العبث القول إن المملكة هي من تدعم تنظيم الدولة الذي يشهر في وجه نظامها العداء. صحيح أن الرياض تقدم دعما لثوار سوريا، لكن ذلك ينحصر غالبا في التنظيمات التي تسمى “معتدلة
وتزداد أهمية تصريح القائد الإيراني من زاوية أنه يتعلق بشأن داخلي سعودي، في حين يعلم الجميع أن إيران تنفذ بلا توقف إعدامات ضد رموز من المشايخ السنّة في إيران، وناشطين من عرب الأحواز، لكن السعودية لا تشير إلى ذلك ولا تصدر تصريحا بشأنه، فلماذا يكون من حق إيران أن تتدخل في شأن داخلي سعودي، بصرف النظر عن رفضنا للظلم الواقع على أية أقلية في العالم العربي والإسلامي، وأمنيتنا لو أن هناك من يساند المظلومين في أي مكان.
لقد بات واضحا أن إيران قد أدركت عزلتها الكاملة عن الغالبية السنيّة في العالم العربي والإسلامي، وهي إذ حرصت طوال الوقت على تقديم خطاب وحدوي يغطي على سلوكها الطائفي في سوريا والعراق ولبنان، فإنها بعد التطورات الأخيرة في العراق ما لبثت أن كشفت القناع، وصار رموزها والمتحدثون باسمها يتحدثون خطابا طائفيا واضحا، بل ومستفزا في كثير من الأحيان.
يؤكد ذلك ما سبق أن تحدثنا عنه قبل شهور من أن إيران تتحول تدريجيا، وسيتضح ذلك أكثر بعد اتفاق النووي؛ تتحول من خطاب المقاومة والممانعة في تسويق نفسها إلى خطاب دولة المذهب الني ترعى شؤون أبنائه في كل مكان من العالم العربي والإسلامي، وهو ما يبدو أنه يحدث حاليا، بل يلقى قبولا من الأقليات الشيعية في العالم العربي والإسلامي (خلا شيعة الأحواز العرب). وحين يصل الحال بزعيم أقلية هامشية (تشيّعت) في موريتانيا إلى إعلان تلبية نداء المراجع “بالتصدي لداعش” في العراق، فهذا يؤكد أننا إزاء دولة تعلن أنها المسؤولة عن الشيعة في كل أنحاء العالم، فيما يعلنون هم تبعيتهم لها، الأمر الذي لا يغير في حقيقته وجود نسبة محدودة من الشيعة الذين يرفضون ذلك، ولا ينبغي تجاهلهم بكل تأكيد.
وما دام الأمر كذلك، فسيكون من حق الآخرين أن يتدخلوا في شؤون الأقليات التي تعنيهم داخل إيران، من سنّة وعرب، فيما يعلم الجميع أن في إيران من التناقضات العرقية والمذهبية ما يتفوق على أية دولة أخرى، وحين تلعب هي في أحشاء الآخرين، فلن يترددوا بدورهم في اللعب بأحشائها، وما المؤتمر الذي عقد مؤخرا لعرب الأحواز في لاهاي سوى إشارة لما يمكن أن يحدث لاحقا.
في أي حال، فقد أدخلت إيران نفسها في مزاج استنزاف شامل في سوريا والعراق، وهي أدخلت نفسها أيضا في مزاج عداء مع غالبية الأمة، وأدخلت معها الشيعة العرب أيضا، وهذا من دون شك تطور خطير ستدفع ثمنه باهظا بمرور الوقت، لكن الثمن على عموم المنطقة سيكون باهظا أيضا، ولن يتوقف قبل أن تقتنع إيران بأنها لن تعلن حربا على غالبية الأمة وتربحها، وأنه لا مجال أمامها غير القبول بحجمها الطبيعي، والجلوس على طاولة التفاهم مع القوى المهمة في الإقليم، أعني العرب وتركيا.

(الدستور 2014-06-28)



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات