مواكب الخريجين

منذ بداية حزيران تشهد المملكة احتفالات متوالية وعديدة بتخريج أفواج من الطلبة الذين أكملوا دراستهم الجامعية، وأصبحت الشوارع الرئيسة في العاصمة والمدن الرئيسة تغص بالسيارات المزدحمة التي تحمل الطلبة وذويهم، وهم يعبِّرون عن فرحتهم من خلال المواكب وإغلاق الطرق، وإطلاق «الزوامير» والأبواق الجديدة التي غزت السوق، والخروج من نوافذ السيارات، والتلويح بالأرواب الجامعية، وغير ذلك من وسائل التعبير.
سيقال: دع الناس يفرحون، ويعبِّرون عن سرورهم، ومن حقهم إظهار علامات الفرح بعد هذا التعب لمدة سنوات طويلة، وعقب هذا الإنجاز الذي يمثل محطة مهمة من عمر الشباب، وهو شيء طبيعي، ومسألة عادية، يجب أن يتم تقبلها بصدر منشرح وبطريقة ايجابية بعيدة عن التشنج والنقد.
الحقيقة التي يجب الإقرار بها أن التخرج من الجامعة مسألة مهمة وتستحق التقدير، فهؤلاء الخرِّيجون عبارة عن ثلة من أبناء الوطن الذين يريدون الانخراط بخدمة بلدهم وأمتهم بما لديهم من علم وبما لديهم من حصيلة فنية وإدارية وتخصصات جديدة وعقل جديد ينبغي أن يسهم بعملية البناء والتطوير، ولذلك يجب الاحتفاء بهم وتكريمهم وتقدير المتفوِّقين منهم، ومن حقهم التعبير عن فرحهم وسرورهم.
لكن المشكلة التي تحتاج لحوار ومناقشة جادة هي طريقة التعبير عن الفرح، وطريقة الاحتفاء الاجتماعي بهم، إذ ينبغي علينا جميعاً أن نرسي معالم ثقافة الفرح وثقافة التعبير عن السرور، وثقافة الاحتفال والتقدير، فنحن أمام ظاهرة اجتماعية تدعو للقلق حيث أن المحتفلين يصابون بنوبة من الهستيريا تجعلهم يُقدِمون على اغلاق الطرق والشوارع العامة وعدم الاكتراث بمشاعر الآخرين ومشاغلهم ومشاكلهم، وهذا يحدث بالطريقة نفسها في مواكب الأعراس، حيث يسدُّ الشباب بسياراتهم جميع المسارب، ويسيرون بطريقة بطيئة، ويخرجون من النوافذ للتصوير والرقص والصراخ بطريقة مشينة تتعدى حدود الأدب، وتتنافى مع أعراف مجتمعنا التي تقوم على احترام الآخر، وعدم الاعتداء عليه، وعدم إغلاق الطريق أمام المارة الذين فيهم الطبيب والمهندس وصاحب العمل، ومن لديه موعد مهم، وهناك مرضى وكبار السن وأصحاب الحاجة، فليس من المعقول أن يسمح أحد لنفسه بممارسة الطريقة العدوانية بإظهار علامات الفرح والسرور.
نحن نمتلك ما يزيد على ثلاثين جامعة، بالإضافة الى الكليات، وكذلك المدارس التي أصبحت تقيم مثل هذه الاحتفالات، وكثر عدد السكان و عدد المتزوجين كذلك، ما يجعل أعداد الاحتفالات والمواكب بتزايد مستمر، تفوق قدرة الشوارع الأردنية على الاحتمال، بالاضافة الى بروز عادة قبيحة جداً تتمثل بإقدام بعضهم على نصب خيم الأفراح في الشارع العام، حيث تغلق الطريق أمام المارة، ما يجعل الناس يشتمون المحتفلين بدلاً من مشاركتهم أفراحهم والدعوة لهم بالبركة والتوفيق والازدهار.
نحن بحاجة لوثيقة مجتمعية، تلزم أصحاب مواكب الخريجين ومواكب الأعراس، بأن يعبِّروا عن فرحهم بطريقة حضارية لا تسبب إزعاجاً للآخرين، ولا تعوق المارّة ولا تغلق الشوارع، وأن يتم اختيار الساحات البعيدة عن الازدحام لممارسة شعائر الفرح ومظاهر التعبير عن السرور، لأن الطريقة المتحضرة بالتعبير عن المشاعر هي ثمرة الدراسة والتعلم، وحمل الشهادة الجامعية.
فمواكب الخريجين يجب أن تسهم بتطوير عاداتنا وأعرافنا وأن يسهم الخريجون برفع المستوى الثقافي في مجتمعاتهم، وتحسين الأداء المجتمعي العام الذي يشكل عاملاً بإرساء الفرح الدائم والسرور المستمر في المجتمعات، وليس سبباً في الازعاج والتوتر وزيادة حجم المشكلة.
(الدستور 2014-06-30)