المعارضة السورية وصراع المناصب

يعقد الائتلاف الوطني السوري اجتماعات هذا الأسبوع لانتخاب رئيس جديد للائتلاف بعد أن انتهت ولاية الرئيس الحالي أحمد الجربا الذي أمضى فيها دورتين متتاليتين، وسيتم انتخاب ثلاثة نواب للرئيس وهيئة سياسية وربما هيئة حكماء وهيئة مستشارين.
قبل هذه الاجتماعات بنحو شهر بدأت النقاشات بين أعضاء الائتلاف حول من سيتم ترشيحه وأي الفصائل والقوى سيُمثل، ومن سيكون بهيئة الرئاسة ومن سيستلم منصباً رفيعاً بالائتلاف، وبعض أعضاء الائتلاف يسعون لمنصب يؤمن لهم ظهوراً إعلامياً كثيفا، بينما يسعى آخرون إلى مناصب تؤمن لهم علاقات دولية أوسع أو تضمن لهم موارد مالية يتحكمون فيها، ويرى القسم الأكبر من السوريين أن الهم الأساس لغالبية هؤلاء، هو الوصول إلى منصب ما من الهيئة المعارضة.
انشغل معظم الأعضاء بالانتخاب والمناصب ونسوا القضايا الجوهرية وعلى رأسها تطوير العلاقة بين الائتلاف والشعب في الداخل، ومد يد العون لنحو خمسة ملايين لاجئ خارج سوريا، ومثلهم من النازحين داخلها، غالبيتهم يعيشون تحت خط الفقر والحاجة، وكذلك نسوا أن الأولويات هي أيضاً توحيد فصائل المعارضة المتعددة والمتناقضة، وإشراك تلك المهمشة منها وخاصة الداخلية المختلفة مع الائتلاف في المنهج، وليس في الأهداف، والبحث عن حلول للأزمة السورية التي كلفت الشعب السوري دماءً ودماراً وموتاً.
لم يعد الغربيون وعلى رأسهم الولايات المتحدة مهتمون بمن سيصبح رئيساً للائتلاف، فثقتهم بهذا الكيان باتت بأدنى مستوياتها، كذلك لم تعد غالبية السوريين تهتم بمن سيترأس الائتلاف أو سيكون قياديا فيه، فقد بات الناس على قناعة بأن الائتلاف لن يستطيع تجاوز مشاكله وتركيبته التي بُنيت على خطأ، ولن يقدر على التواصل الجدي والمنهجي بينه وبين الداخل، وأصبحوا يتهمونه بأنه فشل في تشييد مؤسسات في المناطق السورية، كما فشل في خلق صلة واضحة مع الفصائل المسلحة التي أخذت تنغلق على نفسها وتتطرف وتنسى أهداف الثورة، وتزايدت شكوك السوريين بفاعلية الائتلاف سياسياً وعسكرياً.
رغم مرور أكثر من عام ونصف على تأسيسه، لم يضع الائتلاف رؤية أو برنامجا لحل الأزمة واكتفى برفع الشعارات وتثبيت المواقع وتأسيس التحالفات وتكريس الخلافات، وكما النظام، سخّر وسائل الإعلام الممولة منه لتلميع صورته وإنجازاته الإغاثية والسياسية والعسكرية التي لا تكاد تُذكر.
في ضوء ذلك بقيت علاقة الائتلاف بحلفائه من الدول الخارجية غير واضحة، ومنها دول ذات مصالح متناقضة، ويُثار تساؤل مقلق وهو مع من يتحالف الائتلاف، مع السعودية أم قطر، مع مصر أم تركيا، أميركا أم أوروبا، وعلى ماذا يتحالف، وما هي حدود تأثير الحلفاء عليه؟
وبالمحصلة كان تأثير الائتلاف على الثورة السورية ضئيلا جدا إن لم يكن سلبياً أحياناً رغم النوايا الطيبة للبعض من قيادييه، فقد أسقط كل ما يتعلق بوحدة المعارضة، وصدّق أنه الممثل الوحيد للشعب السوري، واكتفى بدعم بعض الدول العربية والغربية، واعتبر أن هذا وحده كفيل بإعطائه الشرعية، وتناسى أن لفصائل المعارضة الأخرى وقوى الثورة الحقيقية أدواراً لا تقل أهمية عن دوره.
طُرحت أسماء كثيرة لرئاسة الائتلاف، وجميعها لا يمتلك برنامجاً للتنافس، ويخضع الخيار لصفات المرشحين الشخصية فقط ومدى وجود داعمين لهم داخل الائتلاف وبين الدول المؤثرة، وهذا الأمر أثر سلباً على الائتلاف وأدى إلى كثرة الإشاعات والتهم لأعضائه بالفساد المالي والمصالح الشخصية والركوب على الثورة، وأعطى مبرراً للنظام السوري- ولغير النظام- للقول أن المعارضة فاشلة ولا تشكل بديلاً جديا للنظام السياسي.
رغم أن أميركا كانت من أهم الدول الداعمة للائتلاف، إلا أن كارثية أدائه دفعت الرئيس الأميركي أوباما للقول قبل أيام إن الإطاحة بالأسد بوجود معارضة مثل هذه “يبدو غير واقعيّ وفانتازيا”، وهي أسوأ شهادة يمكن أن ينالها الائتلاف من أهم حليف له.
تأسس ائتلاف المعارضة السورية مطلع عام 2012 برعاية عربية وغربية، واعتبرته مجموعة دول أصدقاء سوريا ممثلاً شرعياً للشعب السوري، وتكون بالأساس من عدة كتل سياسية يسارية وإسلامية وقومية وليبرالية، بالإضافة إلى ممثلين عن الأكراد والسريان وبعض المعارضين المستقلين، وتغيرت التحالفات بين هذه القوى أكثر من مرة، وحصلت خلافات ومشادات، ثم انسحابات واستقالات، واختلف الليبراليون مع اليساريين، والإسلاميون مع القوميين، والمستقلون مع الديمقراطيين إلى غير ذلك.
مشكلة ائتلاف المعارضة ليست حديثة، فقد بدأت مشكلة المعارضة الخارجية عند تشكيل المجلس الوطني قبل نحو عامين، حين بادر أشخاص بعقد مؤتمر توصلوا في نهايته لتأسيس المجلس الوطني المعارض، وقد لوحظ أن معظم من جُمعوا في المؤتمر كانوا غير مسيّسين، وبعضهم لم يدخل سوريا منذ عشرات السنين، ولم يكن للأقلية المسيّسة والمناضلة دور جدي في المجلس الوطني، وعندما فشل المجلس وشُكّل الائتلاف على عجل في الدوحة حمل معه بعض الأمراض وكان معظم أعضائه من نفس المجلس، وقبل التحالف مع دول أخرى دون وضوح الهدف والشروط، وكان توليفة على عجل لاعتقاد الجميع أن سقوط النظام قاب قوسين أو أدنى ويجب تحضير أية توليفة لتحل مشكلة البديل، وللأسف لم يكن هذا البديل قادرا على مواجهة أزمة معقدة كالأزمة السورية.
الواضح أن المهمات الأساسية أمام الائتلاف هي أن يُعمّق الصلة مع الداخل السياسي والمسلح ومع جميع فصائل المعارضة الداخلية والخارجية، وأن يضع برنامجاً لحل الأزمة وأسلوب عمل، وإيجاد صيغ واضحة للتحالف مع الدول، ويبدأ حواراً مع كل التوجهات الثورية لوضع قاعدة مشتركة وأسس عمل. كما عليه أيضاً أن يعي أن الشرعية الأساسية في الثورات هي شرعية الإنجاز للثورة والشعب، وليست مجرد اعتراف من بضعة دول ومن جزء بسيط من الشعب، وأما الانتخابات والمحاصصة وغيرهما فهي أمور إجرائية، وإن لم يهتم الائتلاف بالقضايا الأساسية للثورة والشعب فإنه سيصبح عبئاً على الثورة وأحد أعدائها.
(العرب 2014-07-01)