رمضان في عيون الاردنيين بين اليوم والامس
المدينة نيوز:– بصوت خافت وعيون حزينة قالها شيخ جليل تجاوز السبعين "في أيامنا هذه تغير رمضان" ولم يعد خاصا بالعبادة والزهد، فصار أفراد العائلة يتحلقون حول شاشات التلفاز لمتابعة المسلسلات ومباريات كرة القدم، ومنشغلون بزيادة عدد المحطات الفضائية للتمكن من مشاهدة ما يحدث في ملاعب العالم.
وقال الشيخ ابو محمد السلوادي وهو يروي لـ (بترا) "الناس يجتمعون على مائدة إفطار حديثة تعج بالأطباق الاجنبية المستوردة، لينتهي يومهم بسحور غالي الثمن في أحد المطاعم السريعة، حيث الوقت لا يتسع لإعداد سحور منزلي".
ويضيف ان شهر رمضان اصبح استهلاكيا بامتياز، وفقد رونقه بسبب الازدحام في الأسواق وتكدس الاطباق، وزحمة المسلسلات الرمضانية التي تكرر نفسها بشكل ممل.
وعن الحنين إلى الماضي ترى ام العبد وهي ربة منزل، "ان رمضان لم يتغير أبدا بالنسبة لها، وتقول "لا فرق بين رمضان الماضي والآن، العادات والتقاليد الرمضانية التي ما نزال نتمسك بها هي نفسها ونمارسها دوما في كل رمضان، لكن مجتمعنا يردد دوما "أن رمضان كان مختلفاً" لأن الإنسان يرى أن الماضي أجمل دوماً ويحن له باستمرار، مع أن الحياة اليوم اصبحت اكثر سهولة وأصبحنا نحضر الكثير من الأصناف على مائدة الإفطار الرمضانية، أما في الماضي، فكنا نكتفي بصنفين أو ثلاثة بسبب مشقة التحضير.
اما الناشطة الاجتماعية وسام زعتر فتقول، "ان رمضان لم يتغير كثيرا عن الماضي، ولكن طريقة التعبير عنه هي التي اختلفت حيث التهنئة برمضان على سبيل المثال اصبحت تتم عبر البريد الالكتروني والواتس اب والفيبر والتويتر وغيرها من الوسائل الحديثة، واصبح كثيرون يطلبون الوجبات الجاهزة من المطاعم وتسخينها وقت الإفطار، ولم تعد زيارات الإفطار كثيرة بين العائلة الكبيرة نفسها، بل صارت تقتصر على زيارتين أو ثلاث في كل رمضان".
اما في الماضي، بحسب زعتر، فكان تبادل الزيارات اساسيا والأمر ذاته ينطبق على كل العادات الرمضانية التي اختلفت باختلاف العصر، لكن الفرحة بشهر رمضان المبارك تبقى هي نفسها في القلوب.
التربوية هناء العبداللات تقول، "إن القيمة الروحية لرمضان تقلصت اليوم بفعل عولمة الاقتصاد لتحل محلها بعض القيم المادية التي لم نعرفها من قبل أي قبل اربعين سنة مضت".
وتضيف العبداللات "ان رمضان تجرد من أجمل قيمه الأخلاقية والاجتماعية لتحل محلها قيم السوق والاستهلاك والفردية"، مشيرة إلى اننا فقدنا "رمضان الأمس" الذي كان يتجمل بالعولمة الإنسانية والتي كنا نقدمها للعالم كنموذج فريد للحب والتعايش والأخوة.
أم عبادة وهي ناشطة دينية تعمل في مجال الدعوة تقول "ان العبادة فقدت مصداقيتها وصارت شكلية لا خشوع فيها ولا تقوى عند كثير من الصائمين فصار الخشوع والتقوى للإعلام والشاشات التي سيطرت، فتحول رمضان اليوم من عبادة إلى خيم رمضانية للأكل والشرب والتدخين حتى الصباح ومن ثم نوم وكسل طوال النهار.
وانتقد مجموعة من المواطنين يسكنون احدى ضواحي عمان طبول المسحر حيث قال احدهم "لمن فاته سماع طبول الحرب تقرع.. عليه أن يسمع طبل المسحر"، ففي ليالي عمان الرمضانية وبعد أن ينتصف الليل بقليل وقبل أن يأتي موعد السحور بكثير، وفي وقت ليس له علاقة بموعد تناول وجبة السحور، تبدأ مجموعات من الشبان بالتجول في الأحياء السكنية في العاصمة الأردنية حاملين معهم الطبول يقرعونها بطريقة غير منتظمة ويصرخون بأعلى أصواتهم بكلمات غير مفهومة في محاولة لمحاكاة تجربة "المسحر" في بعض العواصم العربية التي عرفت هذا التقليد منذ سنين بعيدة.
واعتاد معظم الأردنيين السهر حتى بعد منتصف الليل في رمضان، وفي اللحظة التي ينامون فيها يبدأ "المسحرون الشباب" قرع طبولهم العشوائية و"الصراخ" الأمر الذي يسبب الرعب للأطفال والإزعاج للكبار ليختلط بعد ذلك صوت "صراخ المسحر" مع أصوات الغاضبين عليه وبكاء الأطفال الخائفين مشكلين لوحة رمضانية خاصة بليالي عمان.