غزة تدفع الثمن

ليست المحرقة الأولى التي يقوم بها الكيان الصهيوني بحق قطاع غزة، بل سبقها مجازر ومحارق، بحيث أصبح هذا السلوك العدواني هو المخرج لتنفيس الغضب والاحتقان الذي يعتري مجتمع الاحتلال إزاء أي قضية توتر تصيب التحالف القائم، من أجل تحصيل مكاسب سياسية قادمة تقوم على منهج المزاودة بين الأحزاب التي تتسابق في مجال التطرف والتشدد بحق الفلسطينيين.
من المؤكد أن الذي يدفع جيش الاحتلال نحو هذا السلوك العدواني البشع بهذا المستوى من الجرأة عدة عوامل مقروءة من خلال المشهد السياسي القائم.
أولها: الوضع القائم في مصر، الذي يتمثل بانشغال الجيش المصري في معركة الأمن الداخلي، ومواجهة أهل سيناء من جهة والمتمثل بتجريم حركة حماس ووصفها بالارهاب، وتجريم الحركة الاسلامية بإجمال، مما يغري الكيان الصهيوني بممارسة البطش وأعلى مستويات القوة تجاه غزة، رداً على حادثة خطف الجنود قبل أسابيع.
ثانيها: الوضع العربي البائس في دول الطوق العربي، علاوة على الوضع المصري، من خلال ما يجري في سوريا والعراق من معارك طاحنة واقتتال داخلي رهيب، مما يغري الكيان الصهيوني باتخاذ خطوات جريئة باتجاه الفلسطينيين قتلاً وتدميراً وتشريداً.
ثالثها: الوضع العالمي المتواطىء مع كل جرائم الكيان الصهيوني وموقف المؤسسات الدولية المشمول إزاء أي عدوان (اسرائيلي) بفضل الحماية التي توفرها الولايات المتحدة دائماً باتخاذ الفيتو الذي يمنع صدور أي قرار من مجلس الأمن، أو أي إدانة بأي مستوى حتى لو كانت خجولة.
أما العامل الرابع فهو المتمثل بالمشهد الفلسطيني، الذي لا يقوى على المواجهة السياسية من جهة السلطة التي تمتلك فرصة حقيقية للقيام بدور مناوىء على مستوى عالٍ من خلال الاتكاء على حادثة قتل محمد أبو خضير وهو حي، عبر جريمة بشعة من أبشع جرائم الجنس البشري، بالاضافة الى عدم القدرة على المواجهة العسكرية المتكافئة، أو التي تحقق إيذاء موجعاً يمنع جيش الاحتلال من القيام بهذه الخطوة.
الفلسطينيون ينبغي أن يعلموا يقيناً أنه لا مجال للتعامل مع الاحتلال إلّا من خلال مشروع مقاومة متواصل ومستمر وطويل لأمد وله نفس طويل وبعد استراتيجي عميق وشامل، بعد التحقق من فشل كل المشاريع السياسية القائمة، وفي الوقت نفسه ينبغي التفكير بعدم تكرار التجارب الفاشلة التي أجهضت ثورات الشعب الفلسطيني وانتفاضاته المتكررة من خلال الوقوع في فخ التخلي عن البندقية قبل إنجاز التحرير والاستقلال التام.
غزة تدفع ثمن الضعف والانقسام الفلسطيني، وتدفع ثمن فشل ثورة الشعب المصري، كما انها تدفع ثمن التدهور العربي المزري، والضعف العربي المستشري على كل الأصعدة وفي كل المستويات .
(الدستور 2014-07-09)