غزة ليست أسوأ حالاً

عندما تنقل وسائل الإعلام نبأ الغارات الجوية «الإسرائيلية» على غزة، وما خلفته من قتل للأبرياء وهدم للبيوت، وترويع للمدنيين، يقل مستوى الدهشة عندما تجد أن طائرات سلاح الجو السوري في الوقت نفسه تشن غاراتها على حلب وعلى ريف دمشق وتلقي البراميل المتفجرة التي تدمر البيوت والأحياء على ساكنيها ولا تفرق بين كبير وصغير ولا شيخ وطفل وبين مقاتل وغير مقاتل، وفي اليوم نفسه ينقل الناطق الإعلامي باسم الحوثيين في اليمن أنهم استطاعوا السيطرة على مقاطعة «عمران» التي تبعد عن صنعاء ثلاثين كيلو متراً، وأنهم تمكنوا من تطهير المدينة من مليشيات الإصلاح حسب وصفهم، وتم الاستيلاء على أسلحتهم وما لديهم من ذخائر، وتقول وسائل الإعلام أنّ المقاطعة تشهد حركة نزوح واسعة، حيث تم تشريد ما يزيد عن عشرة آلاف عائلة، وهم في اوضاع مأساوية، حيث لا يتوافر الماء ولا الطعام فضلاً عن عدم توافر المأوى لهؤلاء المشردين في أيام رمضان، وقد زاد عدد القتلى عن (180) قتيلاً، ومئات الجرحى والمصابين، وتشهد مناطق العراق المختلفة تفجيرات مشابهة خلقت أعداداً كبيرة من القتلى والمصابين..
ما يحدث في غزة صورة مشابهة لما يحدث في سوريا والعراق وما يحدث في اليمن، بل ان ما يحدث في أقطارنا العربية لا يقل بشاعة عما يحدث على أيدي الاحتلال، وما كان للاحتلال أن يتم ويستمر بطغيانه وإمعانه في عمليات القتل والتدمير، لولا أن الشعوب العربية تعاني من احتلال استبدادي، أشد قسوة وأحط مستوى، إن الشعوب العربية المقهورة التي فقدت الحرية وفقدت الكرامة، وفقدت الأمن، وفقدت حقها في تقدير مصيرها، وفقدت حقها في التمكين المجتمعي في أرضها وأقطارها، وفقدت حقها في اختيار حكامها، وفقدت القدرة على مراقبة أصحاب القرار ومحاسبتهم، وفقدت السيطرة على أموالها ومقدراتها التي أصبحت نهباً للصوص وقطاع الطرق، فسوف تبقى عرضة للغزو، وفريسة سهلة للاحتلال، وقهر الأجنبي.
لا سبيل إلى مقاومة الغزو والاحتلال القادم من خارج الحدود إلّا إذا امتلكت الشعوب حريتها وإرادتها وكرامتها، وامتلكت القدرة على تحرير نفسها من سطوة الاستبداد والديكتاتورية، ولن يتم ذلك إلّا بإنشاء جيل جديد يتربى على قيم العزة والحرية، بعد التخلص من تركة الأجيال التي عاشت في ظلال الذل والقهر والمسكنة، وفي ظلال العبودية والرق والخوف والجبن.
نحن نقف على أبواب مرحلة جديدة سوف تفرض معالمها على المنطقة برمتها، وعلى الأجيال أن تستعد لهذه المرحلة الجديدة، بثقافة جديدة ومنهجية جديدة، تنعتق خلالها من رق التقليد الأعمى للثقافة القديمة والمنهجية القديمة التي أدت إلى هذه النتيجة المرعبة، على كل المستويات السياسية والاقتصادية والثقافية والتعليمية والتربوية، وأن تسعى لتلمس طريق النهوض الحقيقي الذي يتطلب مزيداً من الجهد ومزيداً من البذل، وقسطاً وافراً من البصيرة والرؤية السليمة التي تمكنهم من قراءة المشهد بدقة متناهية، تتجاوز حالة الغثائية المريضة، التي أودت بالأمة وعصفت بقوتها وذهبت بريحها تحت مطارق الجهل والعجز والتعصب والفرقة والتشتت.
(الدستور 2014-07-10)