كوميديا عربية صفراء!!

تم نشره الأربعاء 16 تمّوز / يوليو 2014 02:47 صباحاً
كوميديا عربية صفراء!!
خيري منصور

حين يقول أحدنا في لحظة انفعال أن نصف العرب يستحقون الحرق، يكون تلقائياً قد وضع نفسه على النصف الذي يستحق الحياة، وحين يتحدث عن القصور القومي إزاء ما يجري في غزة وما جرى قبله في العديد من العواصم يستثني نفسه أيضاً، وحين يعيد كل هذا الفساد والاضطراب إلى عطب أصاب البوصلة الأخلاقية يبقى وحده المعصوم، وإذا تم تشخيص هذا الداء وتحديد جرثومته وهو التهرب من النقد الذاتي والانهماك في تبرئة النفس يصبح البدء من أول السطر ممكناً، فنحن نعيش ونتعذب ونتقاتل ونموت فرادى، ولكل منا ليله وليلاه، لكن ما يجهر به نهاراً يهمس به ليلاً لنفسه ساخراً مما قال.
لهذا لم تعد الشيزوفرينيا حالات مرضية بقدر ما هي وباء اجتماعي وظاهرة شمولية لم يسلم منها المثقف والموظف والعامل إضافة إلى الساسة والجنرالات.
وحين تحدّث المستشرقون عن هذه الظاهرة في حياتنا كذبناهم وقلنا أنهم يسقطون أفكارهم وتربوياتهم الاستشراقية على بلادنا. وقد يكون هذا صحيحاً بمقياس ما لكن الوعي يحمي صاحبه من أن تأخذه العزة بالاثم، وما كان للمشهد العربي أن ينتهي عند هذه الكوميديا الصفراء لا السوداء لولا أن المقدمات كانت كارثية، وكذلك التربويات التي لا تضخم الذات فقط بل تسرطن عافيتها.
بالأمس استوقفني مشهد يحتاج إلى زمرة من علماء النفس والاجتماع والانثربولوجيا لتحليله، هو باختصار فتاة تبكي وعلى وشك الإغماء، ظن من شاهدوها أن لها أقارب في القطاع الذي شملته القطيعة القومية برعايتها، لكن ما حدث بالفعل هو أن الأرجنتين لم تكسب كأس العالم، ولكي يكتمل المشهد بكل كوميديته الصفراء، كان شبان وصبايا قد رسموا علم ألمانيا على وجوههم وساروا في الشوارع، ولو شاهدهم سائح قادم للتو لظن أنها مسيرة احتجاج على ما يحدث لذويهم من ذبح في غزة.
قد يقول البعض أن هذه المشاهد يجب أن لا تستوقفنا فالعالم كله استغرق في هذه اللعبة، عندئذ نطلب من هذا القائل أن يغمض عينيه لدقيقة واحدة، ويتخيل ألمانيا وقد تعرضت لغزو حوّل ليلها إلى ظلام يعج بالأشباح ودمر عمارات بحيث سقطت سقوفها وجدرانها على مهود الأطفال، كل ما نطلبه منه هو دقيقة خيال لعله يرى في شوارع برلين المظلمة وبين أشلاء البشر فيها أفراداً يحملون أعلام المونديال ومنهم من ينتحب على خسارة هولندا أو فرنسا أو المريخ..
لكن الخيال شأن العديد من الأشياء المنقرضة، لم يعد ممكناً استخدامه ولو لدقيقة واحدة!

(الدستور 2014-07-16)



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات