كيري المستباح ونزع سلاح غزة

تم نشره السبت 02nd آب / أغسطس 2014 12:24 صباحاً
كيري المستباح ونزع سلاح غزة
ياسر الزعاترة

منذ تسلمه لمنصب وزير الخارجية، ورغم محاولاته المحمومة لإيجاد تسوية للملف الفلسطيني، وخلافاته الكثيرة مع نتنياهو وفريقه الوزاري، إلا أن جون كيري لم يتعرض يوما لهذا الكم من الشتائم التي تعرض لهاعلى خلفية المبادرة التي طرحها لإيجاد حل للحرب على غزة.

ما إن طرح مبادرته، حتى انهالت عليه وسائل الإعلام الصهيونية بالشتائم، ولم يبق سوى القول إنه أصبح عميلا قطريا قبض مقابل طرح المبادرة، وانضمت إلى الحملة بطبيعة الحال دوائر صهيونية في الولايات المتحدة تعيش بدورها أزمة نتنياهو في مواجهة الفعل البطولي للمقاومة في غزة.

وبدل أن يرد كيري على الهجوم عليه وينتصر بعض الشيء لكرامته المهدورة، ذهب إلى التراجع عن مبادرته، وراح يتحدث عن أن أية تسوية في قطاع غزة ينبغي أن تنتهي بنزع سلاح حماس والفصائل الأخرى، وهو بطبيعة الحال ما يمكن أن يحوّل هزيمة العدو إلى انتصار. وعندما تواصلت الشتائم اضطر إلى الكشف عن حقيقة أن نتنياهو اتصل به خمس مرات طالبا منه البحث عن تهدئة.

قبل الخوض في مسألة نزع السلاح هذه، ثمة أبعاد أخرى يمكن التوقف عندها في سياق الحديث عما تعرض له كيري، لعل أولها تلك المفارقة الأكثر استفزازا في تاريخ الصراع مع العدو الصهيوني، والتي تتمثل في أن يجد الصهاينة في مبادرة يقدمها زعيم عربي ما هو أفضل بكثير مما يجدونه في أخرى يقدمها وزير خارجية أمريكا؛ الدولة الأكثر انحيازا لكيانهم. والأكثر استفزازا بطبيعة الحال يتمثل في حصول تلك المبادرة (العربية) على دعم من عدد من الأنظمة العريية، بل أكثرها في واقع الحال، ما يشير إلى تحولات عميقة تجري في المنطقة سببها الأولوية التي انخرطت فيها تلك الأنظمة ممثلة في مطاردة ربيع العرب والثورات والإسلام السياسي، وهي أولوية تفرض عليهم علاقة مختلفة مع دولة الاحتلال.

البعد الآخر يتمثل في طبيعة العلاقة بين الولايات المتحدة وبين الكيان الصهيوني، والتي بلغت حد أن يتجرأ الصهاينة على أي مسؤول أمريكي ويشتمونه من دون أن يرفّ لهم جفن، فيما يضطر هو إلى التراجع، وحين يجري انتقاد الهجاء يكون ذلك بطريقة غاية في الأدب، كما حصل مع الناطقة باسم الخارجية الأمريكية التي قالت بكل هدوء “ليس هكذا يتعامل الشركاء والحلفاء مع بعضهم البعض”.

إنها جرأة غير مسبوقة، لم يكن لها أن تظهر على هذا النحو، لولا شعور نتنياهو بأن له من التأييد في الكونغرس أكثر مما يحظى به أوباما، مع العلم أن الأخير لم يتجرأ يوما على الصدام مع الرغبات الصهيونية، بل أدار سياسته الشرق أوسطية على إيقاع هواجسها بالكامل، ومع فعله في سوريا من أجل نزع السلاح الكيماوي، ومن أجل إطالة أمد المعركة لتدمير البلد وجعله ثقبا أسود يستنزف جميع أعداء الكيان الصهيوني غير تأكيد على ذلك. أما الذي لا يقل أهمية، فهو شعوره بأن علاقته المحيط العربي تمر بفترة ذهبية لم يعرفها تاريخ الصراع من قبل.

نأتي إلى مسألة نزع سلاح المقاومة التي اضطر كيري إلى الحديث عنها رغم عدم وجودها في مبادرته التي سحبت من التداول بالطبع لصالح مبادرة مصرالتي يصر عليها نتنياهو. هنا نشير إلى أن ذلك المطلب يشكل أساسا عمليا للعدوان على قطاع غزة، إذ رأى نتنياهو أن بوسعه استغلال الظرف العربي الراهن في ضرب حماس كحركة متمردة، وغزة كإقليم متمرد، ومن ثم نزع أسلحته وضمه إلى الضفة الغربية في سياق مسار التنسيق الأمني والتفاوض البائس الذي يديره عباس. وهو مسار من يركزون أنظارهم على ضرب الحركة كرافعة من روافع الإسلام السياسي في المنطقة، ومن ثم الرضا بما يرضى به عباس أيا يكن مستوى بؤسه، مع أنه لن يكون مضطرا إلى إعلان نهاية النزاع، ويكفي أن يحوِّله إلى نزاع حدودي مع دولة جارة.

والحال أن حماس لن تبيع سلاحها بالمليارات التي تعرض عليها لأجل إعمار غزة (لن يتحقق من الوعود شيء يذكر كما دلت التجارب)، لاسيما أن هدف اللعبة هو أن يجري تحويل الحركة إلى حزب معارض في دولة تحت الاحتلال لا أكثر. وهي ستقاتل وتنتصر مهما كان ميزان القوى مختلا ضدها، وهي في العموم تفضل أن تموت واقفة على الاستسلام، لكنها صامدة بإذن الله، فهي نشأت وكبرت بوجود المحتلين، وستبقى رغم أنوفهم في كل الأحوال، لكن كل المؤشرات لا زالت تؤكد أنها ستخرج منتصرة من هذه المعركة بإذن الله، وسيبوء نتنياهو وكل المتآمرين بالخيبة والخسران.

(الدستور 2014-08-02)



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات