إعادة كتابة التاريخ الأميركي

فوجئت بما نشرته مجلة فورين أفيرز الأميركية المشهورة عدد تموز/آب عن حقيقة ما اقترفته أميركا على أيدي السي آي ايه في إيران (1953) ، الكونجو (1961) ، باكستان الشرقية (1971) ، وتشيلي (1973). وكان يجب أن تضيف فيتنام وأفغانستان والعراق وليبيا واليمن.
ظننت للوهلة الأولى أن المجلة الأميركية ، التي يقرأها زعماء العالم ، تريد أن تقدم نوعاً من النقد الذاتي لدور أميركا في العالم بالاعتراف بما حدث في إيران من تنظيم انقلاب عسكري أطاح برئيس الوزراء المنتخب محمد مصدق وجاء بالجنرال زاهدي ، والاعتراف بما حدث في الكونجو من التآمر للإطاحة برئيسها المنتخب ديمقراطياً باتريس لومومبا والمجيء بالجنرال موبوتو. والاعتراف بما حدث من مجازر في باكستان الشرقية (بنغلادش فيما بعد) حيث تواطأت السي آي ايه مع إسلام أباد على تنفيذ مجزرة ، واخيراً وليس آخراً الاعتراف بما حدث في تشيلي من التآمر على الرئيس المنتخب سلفادور ألندي وقتله على يد الجنرال بينوشيه الذي أعدم المعارضين.
بقراءة العناوين والفهرس تساءلت عما كان سيحدث لهذه المجلة ومحررها لو كانت تصدر في بلد آخر لا تتمتع فيه الصحافة بالحرية المطلقة كما هو الحال في أميركا.
لكن هذه الدهشة لم تطل ، فقد تبين أن المقصود بهذا الاستعراض ليس الكشف عن دور أميركا بل إنكـاره والتقليل من شأنه بالإدعاء أن هذه الاحداث الكبيرة ، وإن لقيت دعم ورضا أميركا ، إلا أنها كانت ستحدث على أي حال دون تدخل أميركي.
من ناحية أخرى فقد جرى وضع هذا العرض في إطار الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي والغربي ، للإيحاء بأن أميركا معذورة فكل شيء جائز في الحرب.
برزت أميركا منذ مطلع القرن العشرين كأقوى قوة عسكرية واقتصادية في العالم ، وكانت تستطيع قيادة العالم في الاتجاه الصحيح: الديمقراطية والحرية والعدالة ، خاصة وأن القرن العشرين كان قرناً أميركياً بامتياز ، لكنها للأسف لم تفعل.
أميركا لم يحالفها التوفيق في مغامراتها الدولية ، فقد ذهبت إلى فيتنام لتنتهي بكارثة ، وذهبت إلى العراق فحولته إلى لقمة سائغة لإيران ثم ساحة مفتوحة للإرهاب. وذهبت إلى ليبيا فخلقت دولة فاشلة وحرباً أهلية ، وذهبت إلى اليمن لتحارب القاعدة مما أدى إلى تعزيز مركزها.
( الراي 8/8/2014 )