صوت المجتمع الذي لا نسمعه!!

أخشى ما أخشاه أن يكون الصمت أطبق تماما على مجتمعنا، وأن لا نجد تفسيرا لهذا ( الصمت) الا في معجم ( اليأس)، ومصدر خشيتي ان كل ما يحدث من تجاوزات، سواء أكان أبطالها معروفين أم مجهولين، وكل ما نواجهه من تحديات، سواء أكانت داخلية أو خارجية، يمكن أن نفهمها ونواجهها، الا ان ( موات) المجتمع أو انكماشة او عدم قدرته على الحركة و الرد، سيجعلنا ( فريسة) سهلة لأي خطر، وسوف يسوغ لنا ( قابليات) عجيبة و غريبة لاستقبال ( الطارق) مهما كانت هويته، و الاحتفاء ( بالبديل) مهما كان شكله.
للأسف، ترتفع الاصوات التي نستنكرها و نرفضها، وتتعدد انواع الاخطار التي تهددنا، لكن الصوت الوحيد الذي لم نسمعه حتى الآن هو صوت المجتمع و ضميره العام، صحيح ان ( أنينه) أحيانا يصلنا، واحيانا نكاد نتلمس ( صوته) المبحوح، لكن هذا كله - وإن كان غير كاف- الا انه يعبر عن حالة ( الانحباس) التي يعاني منها مجتمعنا، بعد أن انسدت أمامه أبواب ( التغيير) ،و التعبير الحقيقي ايضا ( لا مجرد الصراخ) ، وأصبح غير قادر على فهم ما يحدث حوله أو ما يرسم له أو ما يطلب منه.
كان يكفي -فقط- أن يصحو مجتمعنا على ( بلوى) التطرف الذي أطل برأسه علينا من تحت ( عباءة) داعش لنطمئن انه بخير، لكن ماحدث في مؤسساتنا كلها، و في مقدمتها المسؤولة عن المجال الديني، انها اغلقت ( لواقطها) وكانها غير مسؤولة عن نفير شبابنا نحو ( كهوف) داعش واخواتها، أو غير معنية (بملء) الفراغ الذي سمح لأفكار هؤلاء الحمقى بالتمدد افقيا و عموديا...أو كأن ( داعش) كائنات فضائية لم تحتل نصف العراق، ولم تتحول في سوريا الى ( قوة) ضاربة أو في لبنان و ليبيا و غيرهما الى ( لاعب) يمارس هواية ( القتل) في أي ملعب يختاره .
كان يكفي - ايضا- ان يخرج مجتمعنا عن صمته ليستدرك قطار ( نفاذ) صبر الناس الذي يسير بسرعة جنونية بعد أن تعطلت عجلات قطار ( الاصلاح) بفعل فاعل، وأن يعبر ضميره العام عن (مخاوفه) مما وصل اليه اقتصادنا من تراجع، أو أن تحذر النخب المحسوبة علينا مما يصدر الينا من مقررات واجراءات، أقل ما يمكن ان يقال عنها بأنها ( غامضة) .
حين يفقد المجتمع - أي مجتمع- قدرته على ( النطق) و يستغرق في آلامه واحزانه، ويعجز عن الحركة و عن مجرد ( الكلام) ، وينام ( ضميره) أو ينحرف عن مساره الطبيعي، فمن واجبنا جميعا أن ( نتحسس) رؤوسنا، وأن نقف مذعورين أمام ما يمثله ذلك من خطر، فالمجتمع لا يصل الى هذه الدرجة من ( الاحباط) الا اذا أحس بأن ما يجري أكبر من إمكانياته على المواجهة، وبأن ما يمكن ان يستدركه فات وقته، و بالتالي فإن خيار ( الانتظار) أجدى من خيار الانتحار.
لا نحتاج الى عيون ( زرقاء اليمامة) حتى نرى ما حولنا وما يمكن ان يمتد الينا وما حدث لغيرنا، يكفي ان ندقق في صورة ( داعش) واخواتها في الخارج و في الداخل لنكتشف بأن قدرتنا على مواجهة ذلك يعتمد على ( مناعة) مجتمعنا و صلابة عوده، و على مالديه من امكانيات وادوات، فإذا كانت ( مناعته) مفقودة، وامكانياته وارادته مسلوبة، فليس أمامنا الى ان نصرخ بأعلى صوتنا من أجل انقاذه و تغيير صورته واعادة العافية اليه.
نخطئ حين نتصور بأن ( امتناع) المجتمع عن الحركة و استسلامه للأمر الواقع، دليل على الصحة و السلامة و مصدر للإطمئنان و السعادة، ونخطئ ايضا حين ننام على ( عسل) ابتلاع المجتمع لكل ما يصدر اليه من مقررات، أو حين نعطل لواقطه عن الاستقبال و الارسال، ذلك أن المجتمعات الحية هي التي تحمي نفسها بنفسها من الاخطار، وتحافظ على استقرارها وتدافع عن مكتسباتها وترد عنها( العاديات)،وأي عبث بوحدتها أو أي محاولة ( للتغطية) عليها أو ( القبض) على روحها أو تخويفها سيكون بمثابة ( اعلان) وفاتها....وحسبنا ان ننتبه لما يجري حولنا لكي نتعلم من دروسها، وأول الدروس ان نسمع صوت مجتمعنا و نرد عليه بما يلزم من اجابات ونطمئنه على أننا نسير به في الاتجاه الصحيح.
(الدستور 2014-08-19)