التمويل الأجنبي.. فوضى وغياب شفافية!

الإجراءات التي أعلنتها مؤخرا وزارة التنمية الاجتماعية تجاه عشرات الجمعيات والمنظمات "غير الربحية"، أعادت إلى الواجهة قضية الجدل حول التمويل الأجنبي لمؤسسات مجتمع مدني وجمعيات ومراكز دراسات وأبحاث تعتمد أساسا في عملها وأنشطتها على توفر التمويل الأجنبي الذي يضخ منه الملايين من الدنانير سنويا في الأردن.
الوزارة لجأت مؤخرا إلى إغلاق 36 جمعية ومؤسسة غير ربحية، تعمل تحت ولاية أكثر من وزارة، لعدم التزامها بشروط الترخيص والقانون، وسجلت بحق اثنتين منها مخالفة الحصول على تمويل أجنبي من دون موافقات رسمية، فيما تتحدث مصادر مطلعة على هذا الملف عن أن ثمة مؤسسات وجمعيات أخرى بعضها أكبر وأكثر تمويلا، في الطريق إلى ذات المصير، ولذات المخالفة؛ أي الحصول على تمويل أجنبي من دون موافقات رسمية، كما يشترط القانون.
وكانت الوزارة أعلنت منذ رمضان الماضي أنها بدأت بعمليات تدقيق على إجراءات حصول جمعيات على تمويل أجنبي، للتأكد من التزامها بالضوابط القانونية.
وبعيدا عن الجدل العميق حول المشروعية الوطنية والسياسية، وحتى القانونية، لقصة التمويل الأجنبي لمنظمات مجتمع مدني ومراكز دراسات، وجدل قضية أجندات الممولين ومراميهم، فإن الراهن اليوم، وإن تحدثنا من منطلق واقعي، هو أن سوق التمويل الأجنبي تشهد تزاحما وفوضى عارمة لا تخطئها العين، وقد يصعب حتى على إجراءات وزارة التنمية الفنية، بالتدقيق القانوني، ضبطها وتصويبها.
التقديرات الدقيقة والواضحة لما يضخ في الأردن من تمويل أجنبي لجمعيات ومؤسسات ومراكز دراسات، تبدو أمرا صعبا وغير متوفر، وسبق أن سألنا أكثر من وزير مختص حول مثل هذه التقديرات، فكان الجواب بعدم توفر أرقام رسمية دقيقة أو رصد متكامل لها، فيما يتحدث بعض التقديرات عن عشرات الملايين من الدنانير سنويا، تصل لتمويل مشاريع بيئية أو حقوقية أو اجتماعية، فضلا عن تمويل دراسات وورش عمل ومشاريع بحثية تدريبية وغيرها.
اللافت في هذا السياق أن المتابع لما ينشر من فعاليات وأنشطة لمئات الجمعيات والمنظمات، يلحظ حجم التداخل فيما ينفذ من مشاريع وفعاليات ودراسات ممولة من الخارج، وتشابه العناوين التي تتم تحتها، ما يعكس تشتيت الجهود وتكرارا غير منتج في كثير من الحالات، وبالتالي عدم ترشيد في الإنفاق، ولا توزيعا منتجا لمثل هذه المشاريع بما يغطي الحاجات المجتمعية المتنوعة.
كما يسجل على العديد من المشاريع الممولة أجنبيا، وعلى أداء العديد من المؤسسات الممولة، غياب الشفافية المالية والقانونية في أعمالها وأنشطتها وما يصلها من تمويل وموازنات للمشاريع، فيما تذهب حصة كبيرة من ميزانيات مشاريع لهذه المؤسسات لتغطية النفقات الإدارية و"الخاصة" للقائمين على المشروع، بحيث لا يتبقى للمحور الإنتاجي والعملي للمشروع إلا النزر اليسير!
الثابت الوحيد في عالم التمويل الأجنبي، أنه يزخر اليوم بالفوضى وغياب الشفافية، والجهود المشتتة، من دون أي تنسيق وطني. وهو أمر بحاجة إلى تنظيم وقوننة، بما يفوق قدرة وزارة التنمية الاجتماعية منفردة.
(الغد 2014-09-11)