ملاحظات على "العدالة الجامعية"

تشير أرقام وزارة التعليم العالي إلى أنّ نسبة الاستثناءات في القبول الجامعي أقل من الأرقام التي يتم تداولها. وتقدّم الوزارة أرقاماً بديلة عن ذلك بما لا تتجاوز نسبته 15 %، وبعدد إجمالي يبلغ 3764 من أصل 24451 مقعدا. أمّا استثناءات أبناء العشائر والأقل حظّاً، فهي لا تصدر عن وحدة تنسيق القبول الموحد، ولا تشملها النسبة المذكورة السابقة. وربما هذه "الكوتا" تتطلب مراجعة ودراسة عميقة من قبل المسؤولين والمعنيين، وكشف الرقم الحقيقي لها.
كما يشير رؤساء جامعات اتصلوا معي تعقيباً على مقال سابق بعنوان "الإصلاح الذي لم يبدأ بعد"، إلى أنّ الأرقام الحقيقية الخاصة بالطلبة المقبولين على نظام الموازي، لاسيما في تخصص الطب، هي أقل بكثير من تلك الواردة في المقال، وأنّها لا تتجاوز في التخصصات جميعاً حاجز الـ30 %، لكنها ربما تكون نسبة مرتفعة في تخصص الطب تحديداً، لأنّ عليه إقبالاً شديداً.
وعلى العموم، من المفترض أن تكون الأرقام والنسب محدّدة ودقيقة، وأن تُعلن بوضوح من قبل الجامعات، لأنّها تمس مفهوم العدالة الجامعية، وكذلك عملية الإصلاح في التعليم العالي، والهاجس من تحول الجامعات نحو الخصخصة الناعمة مع الضغوط المالية التي تعاني منها؛ إذ تتخلى الحكومة عن مسؤوليتها السياسية والوطنية والأخلاقية عن دعمها، وتتركها لتحصد ما زرعته السياسات الرسمية الكارثية في حق التعليم العالي، خلال السنوات الماضية!
لكن، وعلى هامش هذا الموضوع المهم، تبقى هنالك ملاحظتان تحدثت بهما مع وزير التعليم العالي، د. أمين محمود، وأجد أنّهما تستحقان الاهتمام والمراجعة السريعة، لأنّهما تمسّان جوهر قيمة العدالة وشعور المواطنين بها.
الملاحظة الأولى، ترتبط بالبرنامج الموازي نفسه؛ إذ إنّ الأمر في قبول الطلبة على نظام الموازي يُترك تماماً لرؤساء الجامعات، يقررون ما يشاؤون فيه. وبعض الجامعات تتوسع بدرجة كبيرة، بلا أي معايير أو ضوابط، وجامعات تقبل طلبة بعلامات معينة وأخرى بعلامات أقل، كما تختلف الرسوم بين جامعة وأخرى؛ ما يخل بأسس العدالة والمساواة، ويخلق حالة من الفوضى والمزاجية، بخاصة في دراسة الطب والتخصصات الشبيهة. فمن الضرورة بمكان، إذا كان برنامج الموازي أمراً واقعاً لا نملك تغييره، أن تُلزم الوزارة الجامعات بتعليمات وأنظمة معينة في نسب هذا البرنامج ومعدلاته وأسعاره.
الملاحظة الثانية، والتي تهم عشرات الآلاف من العائلات الأردنية، تتعلّق بقبول طلبة المدارس الأردنية الذين ينهون دراستهم الثانوية وفق النظام الدولي (الـIG، والـIB، والـSAT). فهناك اليوم عشرات الآلاف من طلبتنا ممن يدرسون وفق هذا النظام، ونسبة جيدة منهم من الأسر المتوسطة التي تسعى إلى تعليم أبنائها والارتقاء بمستواهم مع تدهور التعليم الحكومي خلال السنوات الماضية، ويدفعون من أجل ذلك رسوماً كبيرة وأموالاً تستنزف ميزانياتهم العائلية، لكنّهم يقعون في مشكلة كبيرة عندما يتقدم أبناؤهم للتنافس مع الآخرين على مقاعد القبول الموحّد؛ بأنّ هناك "كوتا" صغيرة جداً لهم جميعاً، بعد تعديل العلامات والمعدلات!
لم يعد التعليم الدولي مقتصراً على أبناء الطبقات الغنية التي تملك تدريس أبنائها في الجامعات الغربية، مهما كانت التكاليف، بل أصبح -كما يعرف مسؤولو التربية والتعليم، والتعليم العالي- يشمل نسبة كبيرة من الطبقة الوسطى التي تبحث عن أفضل نوعية تعليم لأبنائها، وبحيث باتت اليوم أغلب المدارس الخاصة توفر هذا النمط، وهناك أسس ومعايير دولية لاعتماد الشهادات، فضلاً عن أنّه يدرس في حدود المملكة ومعترف به وبشهاداته محلياً ودولياً، فلا يوجد هنالك منطق أن يبقى ضمن هذه النسبة في أسس القبول الموحّد، فمن حق طلبة النظام الدولي المنافسة على القبول الموحد، بعد تعديل النتائج!
(الغد 2014-09-15)