الأردن والمجتمع السنّـي العراقي

تشابك المجتمع العشائري بين الأردن والعراق وبخاصة في محافظة الأنبار معروف، والأردن يعتبر أنّ الاستثمار في علاقاته الإيجابية الوطيدة والتاريخية مع المجتمع العشائري السني لجاره الشرقي مسألة استراتيجية لا غنى عنها لاستقراره الاجتماعي وتأمين حدوده مع هذا الجار، ناهيك عن أن عقل الدولة الأردنية معنيّ بأن يأخذ في تفكيره الاستراتيجي أن يجعل من وجود مئات الآلاف من العراقيين السنّة على أراضيه عاملَ تمتينِ لجبهته الداخلية وعنصرَ استقرارِ سياسيّ وأمنيّ في ظل إقليم يمور بالتصدعات والانفجارات والأزمات.
هذا الأساس الاستراتيجي يحضر اليوم بقوة مع ازدحام المبادرات والتحركات الإقليمية والدولية لمواجهة إرهاب تنظيم «داعش»، لا سيما أن عمّان على دراية واسعة بطبيعة التركيبة الديموغرافية والعشائرية على حدوده مع جاريه العراق وسورية، ما يجعله أكثر المؤهلين، بحكم تواصله التاريخي مع زعامات وشيوخ العشائر السنية في الأنبار وغيرها، للتنسيق والاستثمار في تلك العلاقات الوطيدة من أجل أن تكون عشائر الأنبار قاعدة انطلاق لمحاربة تنظيم «داعش» إذا ما تم تدريب أبناء هذه العشائر في الأردن، وفق ما ذكرت تقارير نشرتها صحيفة «الشرق الأوسط»، إضافة إلى تدريب قوات من البيشمركة الكردية على عمليات مكافحة الإرهاب والتعامل مع التنظيمات الإرهابية بخاصة أنه سبق للأردن أن درب قوات من الجيش والشرطة العراقية بعد الاحتلال الأميركي للعراق.
لعل الأردن أكثر المستعدين في المساهمة في هذه المواجهة، فمنذ بدأ الحراك السنيّ الواسع في العراق، المناهض لسياسات التهميش والإقصاء التي اتبعها رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي بحق المكوّن السني طيلة السنوات الماضية، والأردن معنيّ بأخذ هذا الحراك في حساباته الاستراتيجية ومراجعاته للموقف إزاء جارته الشرقية.
ومنذ ولاية المالكي الأولى عام 2006 كانت القضايا الاستراتيجية التي تهم الأردن حيال العراق تتعلق بأمن الحدود وتوسيع العلاقات الاقتصادية والحصول على إمدادات نفطية مستقرة وطويلة المدى بأسعار تفضيلية، إلى جانب موضوع الأنبار والفلوجة والرمادي وما يجري هناك لا سيما ما يتعلق بالتيارات الجهادية المتطرفة. استمرت هذه المحددات الأردنية حيال العلاقة مع بغداد حتى وقت قريب، حيث كان الأردن حاضراً بقوة في دائرة المفاوضات السرية التي جرت في عمّان منذ أشهر؛ بهدف وقف القتال في محافظة الأنبار (قبل صعود نجم «داعش» وسيطرته على الموصل وغيرها) والتي توسعت لتضم أطرافاً سياسية مثل الأكراد وكتلة «متحدون»، بزعامة رئيس البرلمان السابق أسامة النجيفي، بعدما اقتصرت في البداية على ممثلي الفصائل المسلحة والحكومة العراقية.
ومع التحالف الإقليمي والدولي ضد «داعش» يعيد الأردن هيكلة أولوياته ومحدداته باتجاه أن يكون غرب العراق هادئاً وبأسرع وقت ممكن، ومحاولة استعادة تطلعاته لإقامة علاقات إيجابية مع جاره الشرقي في ظل حكومة حيدر العبادي الجديدة، وبخاصة في مجال التواصل الاقتصادي والتجاري والحصول على إمدادات نفطية بأسعار تفضيلية.
(الحياة 2014-09-16)