فنزويلا والاردن.. صِلات ثقافية وطيدة

كان حفل الاستقبال الخاص وعرض الفيلم الفنزويلي الأول، في الهيئة الملكية للأفلام بجبل عمّان، أول من أمس الاثنين، تأكيداً جديداً في سِياق التأكيدات المتلاحقة، على العديد من الثوابت، وعرضاً مُتجدداً للواقع الإيجابي بين البلدين ويتلخص بِـ: حضور نشط لفنزويلا وسفارتها لدى الاردن؛ عُمق التواصل الثقافي بين الاردن وفنزويلا واستمراره بلا عوائق؛ تقبّل الشعب الاردني للثقافة والفنون والسينما الفنزويلية وإقباله عليها بجماهيريةٍ؛ تعاطف اردني كبير مع فنزويلا وقضاياها وسفارتها بالاردن؛ وهي نجاحات تسجّل في وزارة الخارجية الفنزويلية لسفير فنزويلا في البلاد، فاوستو بورهي، ولعقيلته النشطة كذلك، فيلومينا بورهي.
أيام الأفلام الفنزويلية هي الرابعة التي تقيمها السفارة الفنزويلية في عمّان، وتعرض خلالها 3 أفلام قديمة وحديثة في سجل السينما الفنزويلية. وفي تاريخ تلك السينما، تقول ملفاته ونشرات الإعلام، ان فنزويلا عرفت السينما قبل بداية القرن الماضي بسنوات، وتحديداً عام 1909، وهو عام ميلاد الفيلم الفنزويلي الأول، وكان فيلماً قصيراً وصامتاً بعنوان "كرنفال في كاراكاس". وفي العام 1912 كان الفيلم الروائي الطويل الأول "سيدة النباتات الكايناس"، ليشهد العام 1937 ميلاد الفيلم الناطق "تابوغا". وقد شهدت الفترة اللاحقة نشاطاً سينمائياً بالتشارك مع سينمائيين من الأرجنتين والمكسيك، لكنها لم تكن أفلاما ناضجة، وغلب عليها الطابع الاجتماعي الميلودرامي المكرور.
لكن فترة السبعينيات والثمانينيات نشطت السينما الفنزويلية على أيدي سينمائيين موهوبين أمثال "كلمنت دلا ثردا"، و"رومان تشالبادو"، مع تشريع قوانين تدعم السينمائيين، وتوفر الظروف حسب المتاح من أجل سينما وطنية. لكن بقيت فنزويلا كما هو حال معظم دول العالم الثالث رهينة للفيلم الأمريكي، والقيم الهوليوودية التي تكرس مفهوم الفرد والعنف، ونمط الحياة الأمريكي الاستعلائي على الآخرين، وتغييب الوعي، وتزييف الواقع، وبقيت حصّة الفيلم الفنزويلي من الصالات المحلية محدودة أمام هيمنة السينما الأمريكية.
كان للرئيس الراحل هوغو تشافيز، بحسّه الوطني باع طويل وكبير في قولبة السينما وطنياً فنزويلياً، وقد نفض غبار الإملاء الفني عنها، الذي تواصل من الخارج ردحاً طويلاً من الزمن. وأدرك تشافيز أهمية السينما ودورها في تثوير أو تخدير الشعوب. واعتبر أن ما تقوم به هوليوود هو ديكتاتورية. وقال ذات مرة "إنهم يمطروننا برسائل لا تنتمي إلى تقاليدنا، إنما هي لتكريس نمط الحياة الأمريكي، وان هوليوود تمضي في نهج عدائي تجاه فنزويلا، ودول أمريكا اللاتينية، وتصورنا كمكان للعنف والجريمة، ووكر للجريمة والمخدرات"، واعتبر أن تحقيق سينما وطنية هي معركة، لا بد من إدارتها بمهنية، بعد توفير رأس المال، فكان أن أعلن عام 2006 عن إنشاء مدينة السينما لتدور من جديد عجلة الإنتاج الذي بدأ بفيلم عن المناضل الفنزويلي فرانسيسكو "دي ميراندا" احد أبطال الحرب ضد الاستعمار الإحلالي الإسباني، وكان منطقياً أن تتنوع المواضيع التي تتطرق إليها أفلام مدينة السينما، مع التركيز على الجانب الثوري، والتاريخي، واستحضار الشخصيات المناضلة من أبطال الاستقلال وعلى رأسهم بوليفار، والفلاحين، والمرأة، خاصة المناضلات في مرحلة التحرر والحرب والقضايا الاقتصادية، وبشكل خاص البترول كثروة وطنية لها دور في استقلالية القرار الوطني وغيرها من المواضيع التي ما زالت طازجة، والتي تساهم في التعريف بالبلد وتاريخه ورموزه، وتفتح الباب على مستقبل جديد، فما زال هناك جهل كبير، وصورة قاتمة رسمتها أدوات الاستعمار في عقول الناس، وان هذه المواضيع يتم طرحها من خلال الأفلام الروائية الطويلة والقصيرة، والوثائقية، والتسجيلية، وهناك اهتمام بالمسلسل التلفزيوني. لكنها ايضا لها مرجعية بما تراكم عبر السنوات من خبرات، واتجاهات سينمائية غلب عليها طابع السينما الشعرية، بلغتها وأسلوبية سردها، وخصوصية مفردات السينما اللاتينية بشكل عام.
ولم يتوقف الامر على انشاء مدينة السينما على مساحة واسعة من الأرض، إنما تجهيزها بالمعدات الحديثة، من كاميرات وأدوات تصوير، ومعدات، ووحدات مونتاج، إلى جانب إنشاء التعاونيات التي تساهم في العملية الإنتاجية، وتحديد شروط المنحة أو الدعم بالشكل الذي لا يؤثر في استقلالية المخرج. ولاستكمال الدائرة فان التشريعات تفرض على دور العرض السينمائي أن تعطي الأولوية للفيلم الوطنـــــــي، وقد عادت كثير من الأفلام التي تم انتاجها بالعائدات المعقولة على صالات السينما الأمر الذي ساهم في زيادة حصة السينما الوطنية على حساب العروض المستوردة. هـــــذا إلى جانـــب إنشاء شركة توزيع، وبناء دور عرض مستقلة.
الأفلام التي تعرضها السفارة الفنزويلية مهم وتعرض لحياة شعب فنزويلا وقيمه ونضاله. الفيلم الثاني الذي سيعرض اليوم، الثلاثاء، هو "حجر، ورقة، مقص"، من إنتاج 2012، الذي تم ترشيحه لاوسكار أفضل فيلم أجنبي للمخرج "هيرنان جابيز"، وهو بشكل أساسي عن التمايز الطبقي، والفقر الذي يَدفع نحو الجريمة والتطرف، من خلال قصة اختطاف عامل فقير لطفل احد الطيارين، وما يترتب من تشابك بين العائلتين. أما الفيلم الثالث فهو يعود إلى فترة سابقة من حياة السينما الفنزويلية، وهو فيلم "أرايا" من إنتاج 1959، وإخراج "مارغو بناسيلااف" بأسلوب شاعري يُصوّر حياة العمال الذين يستخرجون الملح الطبيعي، وشروط الحياة القاسية، والفيلم حاز على جائزة النقاد في "مهرجان كان" 1959، بعد أن كان مرشحا لجائزة السعفة الذهبية.
(الديار الأردنية 2014-09-17)