"من الصعب جدا أن يرتاح رأس المواطن الأردني "

صعوبة إرتياح رأس المواطن الأردني ناجمة تلقائيا عن ولادة الأردن التي وصفها بأنها ولادة برية لا صلة لها بالعيادات الطبية بل ولاصلة لها أيضا بالولادة التي تتم على يد "القابلة" القانونية أو غير القانونية , لذلك فإن نشأة الكيان الأردني هي نشأة تعايش مع العوامل الطبيعية التلقائية .
وبالمقارنة هناك دول تم توليدها في "مختبرات " سياسية كاملة التجهيزات لا ينقصها حتى "عود الكبريت " !! وهناك دولة تم توليدها على فراش من حرير من كثرة الدلال والتدليل والحنان .
أيضا هناك دول تم توليدها ولادة لا تعقيدات فيها إذ أن المولولد شرعي الأب معروف والأم حتما معروفة , فالكون إذن غامر بجميع أنواع الدول من حيث الولادة والتوليد , كادت أن تكون "سكوتلندا" في 18 /9/2014 الدولة المولود الجديد الذي يحمل رقم (194) في هيئة الأمم المتحدة في الوقت الذي تتطلع عين "داعش " الى أن تغف (من الفعل غف يغف ) هذا الرقم رغم أنف الراضي والزعلان !! وحبذا لو أن الزعلان معروف !! وحبذا اكثر لو أن الراضي معروف !!
أعود من جديد لأقول إن الأردن مولود بريء لم يعرف الدلال حتى في أيامه الاولى إذ أنه مضطر أن يسعى الى إثبات وجوده في بيئة مضطربة جدا , فالحرب العالمية الأولى لم تزرع في منطقة الشرق الأوسط إلا التحديات الى درجة أن الحياة للدولة عمرها كعمر الجمعة المشمشية , وما زالت الدول المولودة في الشرق الأوسط بعد الحرب العالمية الأولى وايضا بعد الحرب العالمية الثانية تبحث عن الشرعية ذلك الأكيد الذي لابد من توفيره لإستمرارية الحياة في الدولة , ولكن الأردن قد حظي بالشرعية في نظام الحكم السياسي حينما أجمع الأردنيون على الحكم النيابي الديمقراطي الوراثي الهاشمي , إن سر نجاح الأردن وتوفيقه لمن يريد أن يعرف هذا السر الذي أصبح مكشوفا هو الشرعية والمشروعية , فالشعب الأردني قيادة وشعبا كان لهما الوقت الكافي والآمن للبناء والتطوير والإزدهار , لم يعرف الأردن النيران السياسية ولا البراكين الاقتصادية , ولا الثورات ولا الانقلابات .
ولكن الظروف القلقة من حوالين الاردن كان لها إنعكاساتها السلبية إذ لا يمكن أن يعيش الأردن بمعزل عنها , لم يبني الأردن من حوله الأسوار العالية ولا الجدران العازلة !! كما ولم يفكر الأردن في أن يحيا سياسيا بما يعرف بحياة القلعة المنعزلة !!
ولذلك فإن الرأس الأردني كان وما زال يواجه الكثير من الصعوبات فلا يخلد الى النوم مرتاحا , وكيف له أن يذوق طعم الراحة والدنيا ملخبطة في معظم البيئات المجاورة له . وقد عبر جلالة الملك الباني الحسين بن طلال عن ذلك حينما كتب اول كتاب له وهو في ريعان الشباب في سنة 1962 باللغة الإنجليزية تحت عنوان (ِUN EASy LIES THE HEAD) , وقد تمت ترجمة الكتاب فورا الى اللغة الفرنسية تحت عنوان (IL EST DIFFICILE DETRE ROI)وحينما تمت الترجمة الى العربية كانت تحت عنوان "مهنتي كملك ) وقد يكون لأول وهلة أن رأس قائد الدولة غير مرتاح من كثرة تراكم المسؤوليات , وذلك وربما يكون أمرا مألوفا !! ولكن أن يمتد عدم الارتياح هذا الى جميع رؤوس الأردنيين فإن في ذلك هو التأكيد على أن "الحوت " مازال فاغرا فمه يريد أن يلتهم الأردن كما إلتهم العراق وسوريا وليبيا واليمن ثم نهش فأدمى تونس ومصر ولبنان وفلسطين ...الخ ...الخ ... ليس الأردن الآن في دائرة الخطر ولكن رأس المواطن غير مرتاح فالحوت يجوب المنطقة !!
(الديار الأردنية 2014-09-23)