لعنة العراق حين تطارد البشرية
المدينة نيوز - لا يكاد يخلو حدث جلل سواء كان سياسيا ، عسكريا او اقتصاديا وهز العالم من اقصاه الى اقصاه ، وكانت أثارة وتبعاته تغزو العالم إلا وارتبط ببلاد الرافدين مسرح الجريمة العالمية الكبرى التي عاشت أربع حروب خلال ثلاثة عقود ونصف من الزمان في الوقت الذي احتاج فيه العالم لحربين عالميتين خلال قرن كامل من الزمان .
بدأَ بالحرب العراقية الإيرانية مرورا بحرب الخليج عام 1991 ومن ثم غزو العراق واحتلاله عام 2003 وانتهاء بحرب داعش ذات الملامح العالمية و كالعادة نجد ان نيران العراق تمتد السنة لهيبها ودخان براكينها خارج حدود العالم العربي لتطال الارض ومن عليها .
يبدو جليا ان العالم يحصد ويجني بذور الشر التي نثرها في عراق الخير وانبتت من كل زوج بغيض وكريه ، كالزقوم في مذاقة ، مر كالعلقم نتجرعة ولا نكاد نسيغة ، فماء الفرات العذب المعين صار غورا اجاجا بفعل قذارة تكنولوجيا الغرب التي صبت جام نيرانها وغضبها على بلاد الرافدين ولكن علينا الاعتراف جميعا ان هذا ما قدمتة ايدينا .
لن ينسى العالم المشاهد القاسية التي رافقت حروب العراق ومنها جريمة اطفال ملجأ العامرية الذين سطروا ووثقوا بدمائهم واحدة من اقذر الجرائم التي اغتالت طفولة العراق البريئة في ملجأهم ذلك الحصن الآمن الأمين في كافة القوانين والأعراف والمواثيق الدولية في حالة الحروب فالملاجئ هي مأوى النساء والأطفال والعجزة ولا تستهدف إلا في حالة غياب وانعدام الأخلاق والدين والضمير.
وهنا يجب أن لا نستغرب قيام الولايات المتحدة وحلفاؤها بتدمير قطاعات الجيش العراقي حينما غادرت الكويت وهي في حالة انسحاب كامل في طريق عودتها للعراق سالكة طريق الموت من خلال استعمال التحالف لأسلحة قذرة صهرت جلود جنود العراق وحولتها إلى هياكل عظمية.
لم يكتف العالم بذلك بل استمر في غيه وطغيانه وظلمه للعراق العظيم وفرض حصار راح ضحيته شعب العراق بشيبه وشبابه ، فحرم هذا الشعب من أبسط حقوقة في الغذاء والدواء لا بل حتى هواء العراق الذي يشفي العليل كان لابد من تلويثه باليورانيوم المنضب للقضاء على كل ما ينبض بالحياة من بشر وشجر وحتى الحجر... وكم أنت عظيم مهيب يا عراق !!!
يبدو جليا أن تدمير العراق حلم صهيو – أمريكي ولد يوم استعراض الجيش المهيب عام 1990 والذي حظي بأهتمام اعلامي عالمي منقطع النظير فخبر الاستعراض احتل الصفحات الرئيسية للصحافة العالمية التي عنونت صفحاتها الرئيسة بخبر رئيسي باللون الاحمر مفاده أن طائرات سلاح الجو العراقي حجبت الشمس عن ارض بغداد .
وهو حلم كذلك بدليل قاطع أصاب العالم بالذهول لحظة خروج أفعى خارجية أمريكا مادلين اولبرايت عام 1996 لتعترف وبكل وقاحة أن ثمن الحصار الذي فرضته الولايات المتحدة يستحق قتل نصف مليون طفل عراقي تضاعف العدد لاحقا ليلامس المليون طفل .
سرعان ما نمت وترعرعت وتساقطت ثمار غراس أمريكا وحلفائها فشعرت بلسعات ضربات تنظيم القاعدة الذي ربط جل عملياته بما يتعرض له العراق من تدمير ممنهج وحصار ظالم ،لا بل أن التنظيم نفسه كان سبّاقا في الدعوة لاستهداف كل ما هو أمريكي من مصالح ومواطنين بحجة تأييد 78% من مواطني الولايات المتحدة للحصار المفروض على العراق وفق ما جاء في المقابلة التي أجرتها قناة الجزيرة مع زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن عام 1998 ، فألقت أحداث العراق بظلالها على نيروبي ودار السلام وبعض دول الخليج العربي إلى أن استيقظ العالم على حدث أذهل الدنيا بأسرها ، وهو توجيه تنظيم القاعدة ضربات طالت العمق والسيادة الامريكيتين او ما يعرف بأحداث الحادي عشر من سبتمبر.
والسؤال ما هي العلاقة بين العراق والضربات القاسية التي تعرضت لها الولايات المتحدة ؟
أول ظهور إعلامي كان لزعيم تنظيم القاعدة الذي أقسم برب البيت العتيق أن أمريكا لن تهنأ بالأمن ما لم نعيشه واقعا في العراق وفلسطين، لا بل أن حصار وقصف العراق من وقت لآخر كان حاضرا في كافة وصايا منفذي هجمات الحادي عشر من سبتمبر الذين شعروا بمعاناة الشعب العراقي الذي اكتوى بنيران آلة الحرب الأمريكية، وأكدوا في وصاياهم أنهم قاموا بهذا العمل ردا على سياسة أمريكا واستهدافها للدول والشعوب العربية، وللتذكير فقط التنظيم لم يكن له آنذاك أية علاقة بالعراق وقيادته .
أيقن الرئيس الأمريكي جورج بوش الأبن أن لعنة العراق تطارده شخصيا وعائليا ولا يمكن التخلص منها إلا باحتلاله ودخول أراضيه، كما لم تفلح جهود عالمية بثنيه عن هذه الخطوة ذات الأبعاد الكارثية فأحد أعضاء الكونغرس الأمريكي حاول إقناع الرئيس بأن بغداد ليست كابل فيما، وصف الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك هذا الفعل المشين بقوله : ( لقد فتحنا أبواب جهنم ).
تجرعت الولايات المتحدة الأمرين خلال احتلال العراق ، ليصبح هذا الوطن بفعل الغرس الأمريكي الخبيث مدرسة لتدريب وتأهيل التنظيمات الأرهابية التي ابتكرت المفخخات والقتل ذبحا بالأدوات الحادة في مشاهد مروعة هزت مشارق الأرض ومغاربها ، فتحول البلد الذي يملك ثاني احتياطي نفط في العالم لمُصدّر رئيسي للإرهاب وهي معادلة عصية على الفهم والاستيعاب .
ومع مرور الوقت ازدادت الأحداث ضراوة واتسعت رقعتها ليُفاجأ الجميع بتنفيذ حكم الإعدام بالرئيس العراقي الراحل صدام حسين في نهاية عام 2006 ، تزامنا مع يوم العيد الأكبر ، وفي ساعة خروج المسلمين من المساجد وأدائهم صلاة عيد الأضحى وهم في طريقهم لذبح الأضاحي امتثالا لقوله تعالى : "فصل لربك وانحر" .
فتوقيت التنفيذ أشعر العرب بأنه لا فارق بين قادتكم وخرافكم التي تذبحونها يوم عيدكم تقربا لربكم ، كما أن هذه العملية كانت بمثابة الشرارة التي أشعلت نار الطائقية البغيضة في كافة أنحاء العالم الإسلامي ، وكم كنا بسطاء عندما قال القذافي للقادة العرب في كلمتة التي ألقاها أثناء انعقاد مؤتمر القمة العربي في دمشق عام 2008 : "الدور جاي عليكم كلكم" وضاقت قاعة المؤتمر ووسائل الإعلام وقتها بالضحك والسخرية والاستهزاء من شطحات خيال الرئيس التي عشناها حقيقة على أرض الواقع بعد عامين من الزمان ، فإعدام رئيس بقوة صدام أسقط الحصانة عن الزعماء العرب ودفع الشعوب العربية لمواجهة حكامها، وهنا تجدر الإشارة إلى أن شرارة الربيع العربي نبتت في العراق وقطفنا مرارة ثمارها في معظم البلدان العربية التي فقدت أمنها وأمانها .
العراق شمس عالمنا العربي المشرقة كما هو في موقعة من بلاد العرب ، إن عشقناه أضاء دروب الخير والفلاح وإن غدرنا به فهو كقطع الليل المظلم او كليل ذلك الشاعر الذي قال :
وليــلٍ كموج البــحرِ أرخى سدوله علّــي بأنــواع الهمــــوم ليبتــلي
إنها مأساة العصر التي عاشها شعب عربي بمباركة إن لم يكن مشاركة إخوانه العرب ، فالعراق بين العرب كيوسف بين إخوته الذين كادوا له كيدا فيوسف الأحب الى أبيهِ ، والعراق هو الأبهى والاقوى بين إخوانه أوطان العرب ولابد من قتله وتدميره وتشريد أهله وعلمائه الكبار الذين عاشوا مرارة الهجرة بحثا عن لقمة العيش من وطن فاضت خيراته مشارق الأرض ومغاربها وجف نهراه من الحزن فهو كظيم ، فوا اسفا على قبلة العروبة موطن الحضارة والتاريخ والانتصارات العربية الكبرى على أعداء الأمة العربية التي تحتاجتك لتنتصر على اعدائها "وما النصر إلا من عند الله " وعلى أرضك الطاهرة المخضبة بدماء الشهداء الزكية الذين قدموا للعروبة والإسلام ما لم يقدمه شعب غيرك.
العالم بأسرة مدعو لتضميد الجرح العراقي النازف منذ عام 1990 والتوجه صوب بلاد الرافدين للاغتسال بماء نهري دجلة والفرات لعل فيهما الخلاص من اثار اللعنة العراقية التي عمت وطمت .وتجاوزات كل الحدود والقيود.
ولا سبيل لإنقاذ العرب إلا بالتنمية الفكرية والاقتصادية والسياسية والكف عن القتل والتدمير، فما أنفق على حروب المنطقة يكفي لحل مشاكل الأرض ومن عليها من بشر لينعم العالم بالأمن والسلام والرخاء، وإلا فداعش حلقة في مسلسل طويل ومرير لم تكن الأولى ولن تكون الاخيرة.