صوابية أم خطأ ما جرى في اليمن
في عالمنا اليوم الذي تحكمه شريعة القوة ، و منطق الغلبة للأقوى ، و هو منطق و شريعة الغابة فلا مكان و لا وجود و لا سيادة للضعيف مهما كان يملك من الحق ، فالحق الذي لا قوة تحميه حق مهيض و مغلوب و معتدى عليه ، و أما ما يسمى بنظام الديمقراطية فثبت على يقين أنه ألعوبة و أضحوكة يتشدق بها الأقوياء على الشعوب ، حتى إذا ما فازت الأغلبية المسلمة الصادقة الواعية ذات الجماهير انقلبوا على نتائجها ، وسيرة التاريخ الحديث أكبر شاهد على ذلك ، فقد انقلبوا على الديمقراطية عدة مرات في تركيا و في الجزائر و في مصر و في العراق و في تونس وفلسطين و أخيراً في اليمن ، فمن هنا لا يلدغ المؤمن من جحر واحد مرتين فكيف إذا لدغ مرات و مرات , و عليه بت أكفر بما يسمى النظام الديمقراطي و نتائجه و ان الحق الذي لا تحميه قوة لا قيمة له في ظل شريعة الغاب التي تحكم العالم .
في اليمن كان الإخوان المسلمون هم العامود الفقري لثورته ضد الطاغية علي عبدالله صالح ، و استمرت الثورة ما يزيد على السنة و ملايين البشر في الميادين ، و دفع الثوار ثمناً باهظاً شهداء و أموال ضخمة و جهود كبيرة و حرمان ، و إنحاز للثوار اللواء علي محسن الأحمر و ما معه من كتائب عسكرية ، وبعد تدخل و مصالحة خليجية جاءت حكومة توافق وطني للإخوان فيها دور لا بأس به رغم أن النظام العميق ما زال له بعض الوجود في الجيش و المؤسسات ، ثم حصل التحالف الخليجي من السعودية و الإمارات و إيران و بقية النظام العميق ( لصالح ) و كانت أداتهم في ذلك (الحوثيون) و ضخت أموال و سلاح بشكل كبير و إستغل الحوثيون بعض ضعاف النفوس و إشترتهم بالمال و بمساعدة النظام العميق سيطروا على عمران و راح ضحية ذلك اللواء القشيبي ثم هجموا على العاصمة صنعاء ، فوقف لهم الإخوان و قطاعات من الجيش بالمرصاد و ردوهم خائبين مهزومين ,ثم صيغت خطة جديدة من هذا التحالف اللعين و حصل الهجوم الثاني يوم الأحد 21/9/2014 و أخذت قطاعات الجيش التابعة لعلي عبدالله صالح و بأمر من وزير الدفاع و الرئيس الخائن عبدربه منصور هادي عميل السعودية بتسليم مواقعهم و سلاحهم للحوثيين لكي تحصل مواجهة بين الإخوان و الحوثيين لكي يصفي أحدهم الآخر ، و كما تقول الروايات أن الرئيس اليمني إتصل على أمين عام حزب الإصلاح محمد اليدومي و طلب منه إقناع اللواء علي محسن الأحمر بتسليم موقعه و سلاحه للحوثيين و إلا فإن رأسه مطلوب و سيقصف بالطائرات ، و أقنع اليدومي محسن بالانسحاب و كان منطقه إذا لم تدافع الدولة عن مؤسساتها فلن نكون البدلاء عنها ، و طلب من وزير الداخلية الإخواني عبده حسين الترب استقبال الحوثين على أنهم ثوار و تسليمهم المقار الحكومية كما فعل الجيش ، و رفع اللجان الشعبية المسلحة من الإخوان و الذين قدر عددهم بإثنين و سبعين ألف مقاتل من الشوارع و انسحابهم من المواجهة , و الواضح أن القرار الذي إتخذ لم يكن قراراً مؤسسياً مبني على معطيات و تقدير حقيقي للواقع بل إنه قرار فردي من اليدومي لوحده و ذلك من خلال المعلومات السرية ، فهل كان هذا القرار صائباً أم خاطئاً و أود أن أناقشه بمنطق و واقعية و علمية و شرعية .
اولاً : في الإسلام دفع الصائل امر واجب ، فإذا أراد إنسان أو مجموعة الإعتداء على النفس أو المال أو العرض وجب على المعتدى عليه الدفاع و لو أدى إلى قتل الصائل أو المعتدى عليه (فَمَنِ اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ) [سورة البقرة 194] ، و من قتل دون نفسه أو ماله فهو شهيد .
ثانياً : إذا إعتدت طائفة على طائفة فيجب نصرة المعتدى عليها (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ)) [سورة الحجرات:9] .
ثالثاً : نصرة المظلوم واجبة قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( من أُذِل عنده مؤمن فلم ينصره و هو يقدر على أن ينصره أذله الله – عز و جل – على رؤوس الخلائق يوم القيامة ) .
فقد كان شعار الحوثين هو إسئصال جماعة الإخوان المسلمين , و قتل قياداتهم ,و هدم جامعتهم الإيمان, و هدم مقارهم و نهب أموالهم ,و إذلالهم و إستباحة أعراضهم ,و نشرت خطتهم قبل قدومهم في الإعلام فكيف يسلم اليدومي لهم بهذه البساطة و يحقق لهم غايتهم بحجة أننا لا نريد مقاتلتهم لكي لا تقع مذابح في صنعاء , فهل إذا سلمت صنعاء إنتهت مهمة الحوثين لا بل بعد أن إستلموا مفاصل الدولة و نهبوا الأموال و المقدرات و قتلوا كل من يقف في وجههم و لاحقوا قادة الإخوان و بني الأحمر في كل مكان تحقق لهم كل ما يصبون اليه بكل يسر وسهولة.
رابعاً : جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه و سلم ( أنه لا يغلب إثنا عشر ألفاً من قلة ) فقد قال إمامنا الشهيد حسن البنا رحمه الله في رسالة المؤتمر الخامس ( معشر الإخوان المسلمين في الوقت الذي يكون فيه منكم ثلاثمائة كتيبة قد جهزت نفسها روحياً و جسدياً و فكرياً و عسكرياً و علمياً ، في هذا الوقت طالبوني أخوض بكم لجج البحار و أقتحم بكم عنان السماء و أغزوا بكم كل عنيد جبار ، فإني فاعل إن شاء الله و صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أنه لا يغلب إثنا عشر ألفاً من قلة ) .
و كيف و إخواننا في صنعاء كانوا إثنين و سبعين ألف مقاتل و معهم قطاعات عسكرية أخرى برئاسة علي محسن الأحمر و لهم وجود في كل وزارة و مؤسسة رسمية و أمنية .
خامساً : دائماً و أبداً الفئة الصادقة في القتال تكون فئة قليلة و ينصرها الله (كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ) {سورية البقرة 249} فالقتال لا يعتمد على الكثرة و لا السلاح إنما الصدق و الصبر و الجهاد و الحق و التوكل على الله , فهؤلاء إخوننا في غزة أقرب و أصدق مثال في قتالهم أقوى جيوش المنطقة رغم إمكانياتهم المحدودة حققوا نصرا على اليهود .
سادساً : الإخوان متحصنون بالعاصمة صنعاء و هي مدينتهم ,و يعرفون مداخلها ,و مخارجها ,وجغرافيتها و مناطق القوة ,و الضعف فيها ,رو هذا يعطيهم قوة إلى قوتهم " و ما غًزي قوم في عقر دارهم إلا ذلوا" .
سابعاً : أعداء الله الشيعة لا عهد لهم و لا أمان و لا صدق ، فقد إستباحوا صنعاء و سيطروا على مفاصلها ، و الآن يفرضون أمراً واقعاً من منطلق القوة و هم إقصائيون أصحاب تقية و غدر ، و ستكون خسارة عظيمة للإخوان في مستقبل الأيام .
و المطلوب الآن بعد هذا الخطأ الإستراتيجي الذي وقعت فيه قيادة حزب الإصلاح لا بد من إستنهاض جموع الإخوان , و القريبين منهم ، و الدفاع عن أنفسهم و أعراضهم و أموالهم و مدينتهم بحرب عصابات حتى يخرج الغزاة و إلا فإن المؤامرة مستمرة حتى إستئصالهم و إنهاء دورهم مستقبلا ً.