الأردن لاعب سياسي مؤثر

في كتابه الاخير عن النظام العالمي يقول كيسنجر ويؤيده هيكل أن النظام العالمي سقط نهائياً ، وأن نظاماً عالمياً جديداً قيد التشكيل ، ولا يقع تحت سيطرة دولة عظمى أو عدة دول بل تحت سيطرة قوى صاعدة جديدة عابرة للحدود مثل الإعلام ، والبنوك ، والتكنولوجيا ، والثقافة ، والإنترنت ، والشركات المتعددة الجنسيات ، وبعضها أقوى من الحكومات ، وأخيراً وليس آخراً الإرهاب والتنظيمات غير الحكومية ، مما حوّل العالم إلى قرية واحدة.
لا جديد في هذا المنطق فهو يعيدنا إلى فكرة العولمة التي يقول البعض أنها اكتملت ، ولكنها استنفدت أغراضها بسرعة واصبحت في حالة تراجع.
من الممكن الإدعاء بأن النظام العالمي الجديد يقوم على أساس الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي ، والبنك الدولي ، وصندوق النقد الدولي ، ومنظمة التجارة العالمية التي تعمل كحكومة مركزية للعالم ، ولمجلس الأمن حق إصدار قرارات ملزمة لجميع الدول. لكن مجلس الأمن ليس سوى واحد من إفرازات النظام العالمي الذي تلا الحرب العالمية الثانية وبالتالي فهو من صياغة المنتصرين الذين فصّلوه على مقاسهم.
هذا النظام يمكن أن يستقر لو كان القانون الدولي يطبق على جميع دول العالم على قدم المساواة ، وكان مجلس الأمن ممثلاً حقيقياً للمجتمع الدولي ، فالقانون الدولي لا يطبق على الأقوياء ، ولا يلجأ إليه سوى الضعفاء. وما زال الحق للقوة في عالم اليوم ، مما لا يصلح أساساً لنظام عالمي جديد عادل وقابل للاستمرار.
لم يعد نفوذ الدول معتمداً على قوتها العسكرية والاقتصادية فقط ، فهناك القوة الناعمة التي تسمح لدولة بالتأثير عن غير طريق القوة المباشرة.
الأردن دولة صغيرة ، ليست نداً للقوى العظمى ، ولكنها تمتلك قوة ناعمة تسمح لها بالحركة والتأثير إقليمياً.
من تجليات القوة الناعمة الاردنية وجود المغتربين الأردنيين في الخارج ، مؤهلات الأردن في التعليم العالي بحيث يكون عدد من المسؤولين العرب من خريجي الجامعة الأردنية ، المستشفيات الأردنية التي يقصدها المرضى العرب للعلاج ، قوات حفظ السلام الأردنية حول العالم ، المستشفيات الميدانية العسكرية ، والخبراء في تكنولوجيا الاتصالات والمعلوماتية .
الأردن أقوى عسكرياً مما يدل حجمه وموارده ، ولكنه إلى جانب ذلك يمتلك قوة ناعمة تفوق إمكانياته المادية ، وتجعله لاعباً أساسياً على الصعيد الإقليمي.

(الرأي 2014-10-01)