الحاجة جميلة بنت الجبل الوطن قلادة نور في جيدها
المدينة نيوز:- وجه يشع بالنور يعكس لوحة فسيفسائية بالحياة والخلود تنتمي إلى جيل البناة الذي فيه ذاكرة الأولين من أبناء هذا الوطن ويعكس لوحات تاريخية تضم نهراً متدفقاً من الأحداث والذكريات والمواقف في طقوس الفرح والأمل خارج إطار القاموس الشعبي المألوف.
بعد أن أوقدت قنديلها السبعين الحاجة جميلة " أم محمد" صعدت بإيمان واقتدار آخر عتبات زمنها المشبع بالربيع والسعادة والأيمان وقد ازداد في عيونها البرق وانحدرت شلالات الضياء المتدفقة بالطهر المقدس بماء الوضوء ، وتكاثفت في حدقاتها المفتوحة على الوطن ، الذكريات وحكايات الآباء والأجداد تستحضرها من عالمها الأسطوري الذي ترسم لوحاته وتنقلها لجيل الأبناء بطريقة تبعث على الفرح والقدوة .
أم محمد بنت الجبل تعودت صعوده وتذليل وعورته منذ طفولتها الأولى ولا تزال ذاكرتها تنقش اللقاء الأول مع ابن عمها الذي أصبح زوجها ورفيق دربها ولا تستطيع أن تخفي انفعالها الداخلي العميق عندما تتذكر أبو محمد الذي رحل بعد أن علق وصيته في عنقها كقلادة فيها صوره وصور الوطن الذي احتضنته في روحها ووجدانها يصطف مع حبات الذهب وتحمل الأمانة في رعاية الأبناء وتربيتهم على مبادئ الأخلاق والدين.
تجلس ام محمد ويحيط حولها كحلقة النور أحفادها المائة تنقل لهم الإرث الثقافي والحضاري لهذا الجيل الذي انسلخ عن ثقافته وهويته ، تروي لهم الحكايا النابعة من تجارب زمنها الخالد في روحها ووجدانها خلال رؤية إنسانية مرهفة، تقدم صور الماضي ،وصور من صولات زوجها الجندي الفارس الذي رحل بعد ان شارك مع صفوف الجيش العربي في اللطرون وباب الواد ونابلس الذي رحل مع الذين رحلوا وهم يحفرون في جبال الوطن ووهاده ويذللون الصعاب لأبنائه .
وأول ما تبدأ بمعزوفتها التي تطرب كل من حولها ، وهي تردد بقولها أنا بنت الجبل وسليل الماجدات الأردنيات اللواتي صادقن العواصف والريح ونسائم اللزب والقيقب والقيسون وتكحلن من زهرة السوسنة ولونت وجهها بنوار الدحنون، وسبغ ألحانا بلون تراب جبال كفرخل ووهادها .
وتقول الحاجة جميلة أبي فلاح تعطر بالأقحوان والزعفران واجه الدنيا وسط أهله وهم يذللون الصعاب ويمهدون الجبال ، تنقلوا بين مهن الرعي وفلاحة الأرض حتى غادروا مسرح الحياة دون أن يستغنوا عن سلاحهم لحماية الأرض والعرض .
ولدتني أمي بين الهضاب عند السفح الغربي من جبل كفرخل الغربي، حين كانت تجمع مع أبي الحطب والزيتون والعنب كأي أسرة أردنية تعيش في الجبال وتعانق قممها .
نحن أبناء الجبل امتزجت أرواحنا بترابه نعشقه وتلتسق ذواتنا بين أشجاره الدافئة، ولا تزال الدمعة تهزم صمود أم محمد حين تتذكر أمها وهي تجلس خلف طابون الخبز ، وتوصف بقولها" كنا نلتف حولها كاسوارة في يد عروسة تتباهى فيها وقدور الخبيصة والزبيب ومربى العنب تفوح برائحة المكان وموال والدي وقصيده الحزين يأتينا من خلف التلال والوهاد يطرب الدنيا ، وانأ لا زلت اكرر نفس الدور والمشهد مع أبنائي الذين يصقل وجدان عائلتي مما أعطى نفسي التي تنازعني شوقا وحبا مع زوجي الذي عشق الأرض وبقي كسنديانات كفرخل يمد بناظريه في أفق الدنيا يرعى أبناءه وزيتونة وكروم العنب حتى دفن تحت لحاء زيتونة أردنية في جبال كفر خل الشماء .
فأنا من سلالة تماهت مع تراب الوطن وتمازجت مع فظاءاته ، لا تزال أغاني الهيجني تطربني ، وموسيقى اليرغول والناي والربابة وشهقات الينابيع بأصداء الجبال التي تظللنا وتحمينا من لهيب الشمس وبرودة الشتاء ، نخاف على حفيف السنابل إذا هبت النسائم ، ونعشق فحيح الأفاعي حين تلتقط الجرذان التي تحاول أن تعبث بالحقل وبيادر الحبوب ولله الله على وطن نحميه بأهداب عيوننا كما تقول الحاجة أم محمد التي خضب الزمن كفيها بحب الوطن .
(بترا)