هل هي مجرد زلَّة لسـان؟!

كانت «معايدة» الولايات المتحدة للعرب ،وعلى وجه التحديد للمملكة العربية السعودية ولدولة الإمارات وأيضاً لتركيا، لمناسبة عيد الأضحى المبارك إتهامات مساندة الإرهاب التي وجهها نائب الرئيس الأميركي بايدن إلى هذه الدول في محاضرة له يوم الخميس الماضي الرابع من هذا الشهر في جامعة «هارفرد» الشهيرة وحيث وجه لنفسه أيضاً شتيمة من العيار الثقيل عندما إعتبر أن وظيفة نائب الرئيس ،أي وظيفته، :عملاً «حقيراً وتافهاً».. وهذا إعتراف يتحمل مسؤوليته هو نفسه وليس غيره!!.
وبالطبع فإن بعض الذين لا يثقون بالرئيس باراك أوباما ولا بإدارته قد أعتبروا أنَّ هذا الذي قاله بايدن وبعد أيامٍ من بدء عمليات التحالف الدولي ،الذي تقوده الولايات المتحدة، ضد «داعش» هو من قبيل التمهيد للتراجع عن هذه الحرب ومن خلال خلْط الجد بـ»المزح» وبالطريقة «الكاريكاتورية» المضحكة التي أشتهر بها بايدن والذي من حسن حظ الأميركيين أنه لم يصبح رئيساً لهذه الدولة العظيمة الكبرى.
ولعل ما يشير إلى أنَّ البيت الأبيض قد لمس غضب الرأي العام الأميركي وغضب حلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط مسارعة قناة :N.B.C التلفزيونية الأميركية إلى القول أن :»زلاَّت لسان جو بايدن أكثر من أن تعد وأن تحصى» وأن نائب باراك أوباما نفسه قد بادر إلى الإعتذار إلى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وإلى نائب رئيس دولة الإمارات الشيخ محمد بن زايد وأنَّ مكتبه ،أي مكتب بادين، قد أصدر بياناً إعتذر فيه :لـ»حلفاء آخرين في المنطقة»!!.
وهكذا وإنْ كان ما قاله بايدن عن نفسه :»إنَّ وظيفة نائب الرئيس عملاً حقيراً وتافهاً» هو تأكيد حقيقة أم أنه من قبيل «البهورة» ومحاولة «خفَّة الدم» فإن المشكلة مع هذه الإدارة الأميركية ،التي بقي من عمرها عامان فقط، هي أنها إدارة مترددة ولم تثبت على أي موقف خلال الست سنوات الماضية ،اللهم إلاَّ موقف دعم إسرائيل ظالمة ومظلومة وهي ظالمة دائماً وبإستمرار، والدليل على هذا هو الموقف من القضية الفلسطينية والموقف من مصر والموقف من الأزمة السورية والموقف من العراق وإيران.. وأيضاً.. أيضاً الموقف من الإرهاب وكيفية التعامل معه ومواجهته.
ولهذا فإنه مع الذين سمعوا من بايدن ما قاله في جامعة هارفرد يوم الخميس الماضي كل الحق في أن يذهبوا بعيداً وأن تسود لديهم القناعة بأن النائب هو سرُّ رئيسه وأن إتهام حلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط بهذه التهمة الباطلة ،أي أنهم قدَّموا دعماً للإرهاب، ربما يكون من قبيل التمهيد لتراجع باراك أوباما ،المشهور بتردده وبتراجعه عن مواقف سابقة كان قد إتخذها تلاؤماً مع معطيات لحظة معينة، عن هذا الحلف الدولي الذي أقامه وعن هذه الحرب التي أدخل فيها دولاً كثيرة من بينها بالطبع عدد من الدول العربية والعودة إلى المساحة الرمادية التي كان يقف فيها إنْ بالنسبة للوضع في العراق وإن بالنسبة للوضع في سوريا!!.
لكن وإحترماً للمنطق وليس ثقة بالرئيس باراك أوباما فإنه غير ممكن توقُّع أن تتراجع الولايات المتحدة وبهذه السرعة عن هذه الخطوة التي كان هدفها ،قبل محاربة «داعش» ومواجهة الإرهاب، إعادة نفسها إلى المركز الذي بقيت تحتله ومنذ إنهيار الإتحاد السوفياتي في بدايات تسعينات القرن الماضي والذي بدأ بالإهتزاز مع مجيئ هذه الإدارة البائسة والمترددة بالفعل.. فالتراجع يعني كارثة محققة ويعني إنكماش أميركا وعودتها إلى ما وراء البحور والمحيطات والتخلي عن مصالحها الإستراتيجية في هذه المنطقة وفي العالم بأسره.. وهو يعني أيضاً أن الوصف الآنف الذكر الذي أطلقه جون بايدن على نفسه ينطبق أيضاً على الرئيس نفسه وليس على نائب الرئيس وحده.

المصدر : الرأي 2014-10-08