الرضيع قيس ضحية للتفكك الأسري وجثمانه بانتظار قرار رسمي بالدفن
المدينة نيوز :- ما يزال جثمان الرضيع قيس، (اسم مستعار)، مسجى في ثلاجة مستشفى الأمير فيصل الحكومي بالزرقاء، بانتظار قرار حكومي بالدفن بعد رفض ذويه تسلم الجثة.
ستة أيام فقط أبصر فيها (قيس) النور، عانى خلالها من أوجاع تشوهات خلقية عدة، تضاف اليها مأساة إهمال وتفكك أسري، ليكون الموت رحمة له من عذابات الدنيا وجفاء والديه.
وقصة قيس، بحسب مصدر طبي أشرف على ولادته، بدأت عندما راجعت سيدة (17 عاما) أحد المستشفيات الخاصة في مدينة الزرقاء بتاريخ 30 أيلول (سبتمبر) الماضي لإجراء ولادة قيصرية.
وبعد الولادة تبين أن الطفل يعاني من تشوهات خلقية عدة، منها تضخم في الكليتين وعسر في التنفس، وعدم وجود فتحة في الشرج وغياب المريء، فضلا عن تشوهات في عضلة القلب، بحسب المصدر الطبي.
ويضيف المصدر، إن الوضع الصحي الحرج للرضيع كان يتطلب إجراء سلسلة من العمليات المعقدة، وتدخلات جراحية غير متاحة في المستشفى، مبينا أن اجراءات تحويله الى مستشفى آخر، لإجراء العمليات "لم تتم نتيجة رفض الأب التوقيع على الموافقات المطلوبة، وعدم تعاون الأسرة".
وبحسب مصدر مقرب من أسرة الطفل، فإن سبب رفض الأب اتخاذ الاجراءات الطبية اللازمة يعود إلى خلافات أسرية مع الأم وأسرتها، "كان الطفل ضحية لها".
وأوضح أن "ادارة المستشفى حاولت بشتى الطرق التوصل إلى ذوي الطفل للحصول على الموافقة، وتم الاتصال بالمحافظ وإدارة حماية الأسرة، لكن كل الجهود فشلت في الوصول إلى الأب، أو اقناع أسرته بضرورة التدخل لإنقاذ حياة الطفل".
ووفقا للمصدر ذاته، فإن ادارة المستشفى اتصلت مع الجهات الرسمية لاتخاذ القرار بشأن التدخلات الطبية، ونقل الطفل إلى مستشفى آخر، "لكن طول أمد الاجراءات وتدهور وضعه الصحي، حال دون ذلك" ليسلم روحه إلى باريها في ثاني أيام عيد الأضحى المبارك.
وبين المصدر أنه "نتيجة لرفض أسرة الأب تسلم جثمان الطفل، ورغم استدعاء الحاكم الاداري للوالد، الذي ما يزال لغاية اللحظة (أمس) متواريا عن الأنظار"، فقد قرر المحافظ نقل جثمان الطفل إلى مستشفى الأمير فيصل الحكومي الاربعاء الماضي، تمهيدا لدفنه على مسؤولية الدولة.
ورغم أن التقارير الطبية تشير الى ان الحالة الصحية للطفل كانت حرجة جدا، وفرص بقائه على قيد الحياة كانت ضئيلة، لكن ذلك لا يعفي ولي الأمر من الملاحقة القانونية، كونه رفض أو امتنع عن إعطاء الموافقة للتدخل الطبي وفقا للغد.
ووفقا للدستور الطبي الأردني، فإن "كل عمل طبي يجب أن يستهدف مصلحة المريض المطلقة، وأن تكون له ضرورة تبرره وأن يتم برضاه أو رضا ولي أمره، إن كان قاصرا أو فاقداً لوعيه"، لكن في حال كان الإهمال بتقديم الرعاية الطبية للطفل ناجما عن رفض ولي أمره إجراء تداخل طبي أو جراحي، فيتوقع من الطبيب أن يبادر بطلب توفير الحماية الاجتماعية للطفل من خلال إعلام وزارة التنمية الاجتماعية، "إذ تصبح الوزارة المسؤولة المباشرة عن كافة إجراءات علاجه وتقديم الرعاية الطبية له".
ومن الناحية الجزائية، يشكل الإهمال برعاية الطفل صحيا أو هجره بالمستشفى جريمة بمرجعية المادة 290 من قانون العقوبات التي تنص على، "يعاقب بالحبس من ثلاثة أشهر الى سنة كل من كان والداً او ولياً أو وصياً لقاصرٍ لم يكمل الخامسة عشرة من عمره او كان معهودا اليه شرعا أو قانوناً أمر المحافظة عليه والعناية به، ورفض او أهمل تزويده بالطعام والكساء والفراش والضروريات الأخرى مع استطاعته القيام بذلك، مسببا بعمله هذا الأضرار بصحته، أو تخلى عنه قصدا أو بدون سبب مشروع أو معقول -مع انه قادر على اعالته- وتركه دون وسيلة لإعالته، وتكون العقوبة الحبس من ستة أشهر إلى سنتين إذا كان القاصر لم يكمل الثانية عشرة من عمره".
وتسمح هذه الجرائم للمدعي العام بالملاحقة دون تقديم شكوى محددة.
ونصت الفقرة ج من المادة 3 من قانون أصول المحاكمات الجزائية على "إذا تعارضت مصلحة المجني عليه مع مصلحة من يمثله او لم يكن له من يمثله، تقوم النيابة العامة مقامه".
والى جانب الاهمال المؤدي إلى الوفاة، تعكس قضية الطفل (قيس) مجموعة متشابكة من المشاكل الاجتماعية، بدءا من الزواج المبكر، إذ تزوجت والدته في سن 16 عاما، مرورا بالخلافات والتفكك الاسري، وولادة عسيرة لطفل يعاني من تشوهات خلقية، انتهاء بإحجام ولي الامر عن الموافقة على تقديم الرعاية الطبية والإهمال والتخلي عن وليد حتى بعد وفاته.
من ناحيته، يرى مستشار الطب الشرعي، الخبير في مجال الوقاية من العنف، الدكتور هاني جهشان أن قضية الطفل قيس "تصنف على انها شكل صارخ لحالات إهمال الأطفال، وبالتالي تعريض حياتهم للخطر المفضي للموت".
ويقول جهشان لـ"الغد" إن تهرب والدي الطفل من تحمل مسؤولية تقديم الرعاية الطبية له، هو شكل من أشكال "إهمال الأطفال"، ويهدد حياة الطفل مباشرة ويتطلب التدخل متعدد القطاعات الصحية والاجتماعية والقانونية.
ويضيف إن خطورة هذا الإهمال على حياة الطفل تعتمد مباشرة على ماهية الحالة المرضية، التي يعاني منها الطفل، وعلى ما تتضمنه من مخاطر كامنة، تهدد حياته في حال عدم تقديم الرعاية الطبية له.
ويؤكد جهشان أنه يفترض أن يتم التعامل مع حالات "الإهمال بتقديم الرعاية الطبية" للطفل، بمرجعية تشاركية للقطاعات الطبية والاجتماعية والقانونية، لتحديد جذور المشكلة، بالاستناد لمبادئ المصلحة الفضلى للطفل، وبأسلوب قائم على بناء علاقة ثقة مع والدي الطفل، وعلى التعاطف وتجنب اللوم والتوبيخ، وإظهار التعاطف والرغبة بالمساعدة.
ووفقا لجهشان، فإنه في حال وجود مؤشرات على احتمال وجود مثل هذا الإهمال، أو التأكد من حدوثه، وبسبب المخاطر الكامنة التي تهدد حياة الطفل مباشرة بسبب مرضه، "يتوقع من الجهات الحكومية الممثلة بوزارة التنمية الاجتماعية والنيابة العامة أن تتدخل مباشرة لتحمل مسؤوليتها بحماية الطفل اجتماعيا، بما في ذلك ضمان تنفيذ الإجراءات الطبية كافة، والملاحقة الجزائية لولي أمر الطفل بما يتفق مع القانون".
ويعتبر جهشان أن توفير الرعاية الصحية هو حق أساسي للطفل، ضمنه الدستور والاتفاقيات الدولية، وتتحمل الحكومة مسؤولية تنفيذه بما في ذلك الأطفال المعرضون لمخاطر الإهمال.
ويتضمن هذا أيضا، بحسب جهشان، تجاوز أي معيقات إدارية أو تنفيذية لتطبيق التأمين الصحي للأطفال، الذي ضمنته التشريعات الأردنية، فلا مجال للتراخي أو التأخير، عندما تكون حياة الطفل المنبوذ أو المهجور مهددة بالموت.