الإنسانية الأمريكية "المعاقة"
لا يجب أن يمر اعتصام الأكاديميين المعاقين من حملة الدكتوراه -والذين يطالبون باللجوء الإنساني إلى أمريكا- مرور الكرام. القضية ليست بفكرة الاعتصام أمام السفارة الأمريكية فقد نظمت القوى والفعاليات الوطنية مئات الاعتصامات أمام سفارة العم سام احتجاجاً على سياساتها في الوطن العربي وانحيازها التام للكيان الصهيوني.
والقضية أيضاً ليست في الوقوف بالطوابير استجداءاً ل"فيزا" لأرض الأحلام كما أطلق عليها داوود السيد في فيلمه الذي قامت ببطولته فاتن حمامة، فهناك الطوابير اليومية على باب السفارة إضافة إلى الطوابير الإلكترونية من أجل الهجرة إلى وطن "المصاري والكازيات".
كما أن القضية ليست في اعتصام أكاديميين يحملون شهادة الدكتوراه، فقد اعتصم العشرات من حملة الدكتوراه سابقاً والذين يعانون من البطالة فيما اعتصام زملاء لهم للمطالبة بنقابة لأساتذة الجامعات.
باعتقادي أن أخطر ما في الموضوع والقضية الرئيسية فيه هي في قيام مجموعة من الأكاديميين الذين يعملون في مهنة التدريس في عدد من الجامعات الأردنية بطلب اللجوء "الإنساني" إلى الولايات المتحدة الأمريكية على اعتبار أن هذه الدولة راعية الإنسانية في العالم.
لا أدري ما هي الاستراتيجية الأمريكية العبقرية التي استطاعت أن تزرع في عقول أكاديميين يحملون شهادة الدكتوراه أن أمريكا وطن ل"الانسانية"؟؟!! والسؤال الأهم هو أي جيل قام هؤلاء الأكادميون بتخريجه وأي مفاهيم حول حقوق الإنسان قاموا بتدريسها؟؟!!
هل تحدثوا لتلاميذهم عن معتقل غوانتانامو "واحة الإنسانية العالمية" أم تطرقوا لهيروشيما ونجازاكي اللتان قام الأمريكان برشهما بالورود النووية؟؟!! أم أنهم آثروا الحديث عن مليون طفل عراقي قتلهم الحصار الأمريكي على العراق لتستطيع مادلين أولبرايت نشر الديمقراطية هناك -كما ذكرت في تصريح للسي إن إن سابقاً-
المضحك المبكي في الموضوع أن السفيرة الأمريكية "عاشت الدور" وأعلنت للمعتصمين تبنيها لمطالبهم العادلة باللجوء الإنساني للولايات المتحدة ولكنها لن تستطيع الخروج إلى الشارع لمقابلتهم "لأسباب أمنية". وبالتأكيد فإن الأسباب الأمنية تعود لحجم العدالة التي قامت أمريكا بنشرها بين شعوب المنطقة ما جعل وجودها بين المواطنين قد يعرض حياتها للخطر من على قاعدة "ومن الحب ما قتل".
شكراً لأساتذتنا الذين اعتصموا أمام السفارة الأمريكية فقد قدمتم إعلاناً أمريكياً مجاناً ل"تبييض" صورة السيد الأمريكي "الأبيض" .. شكراً لكم لأنكم اخترتم التوقيت المناسب لنشر هذه الدعاية بعد أيام على مجازر غزة بالأسلحة الأمريكية وفي خضم صراع طائفي يقسم المنطقة العربية كان لسيدنا الأمريكي شرف إطلاق فكرته ومن ثم ترسيخه وتكريسه. طبعاً والشكر موصول ل"ماما أمريكا" .. والله من وراء القصد.
ملاحظة: كل ما سبق لا يلغي وقوفي التام مع مطالب هؤلاء الأكاديميين سواء من ناحية توفير فرص العمل لهم كما ينص عليها قانون حقوق الأشخاص المعوقين أو من ناحية زيادة رواتبهم بما يؤمن لهم حياة كريمة.